مع انسحاب واشنطن.. قوى متنافسة تسعى لبسط النفوذ في شرق سوريا


يخلق الانسحاب المزمع للقوات الأمريكية فراغا في شمال وشرق سوريا، وتتلاقى الصراعات والمنافسات بين جميع القوى في الشرق الأوسط لملئه.

أجبر القرار الأمريكي المفاجئ بسحب 2000 جندي جميع القوى الفاعلة على القيام عملية إعادة تقييم للتحالفات والشراكات القديمة.

فحكومة النظام السوري، والأكراد، وروسيا، وإيران، وإسرائيل، وتركيا.. الجميع منخرطون في الحرب المستمرة منذ حوالي ثماني سنوات - كل في طريقه، كل يخوض الحرب لأسبابه ومآربه الخاصة داخل سوريا.

الآن كل تلك الصراعات ستتمركز في الأراضي التي تخلى عنها الأمريكيون، الأمر الذي سيخلق توترات جديدة، وفوضى وإراقة دماء محتملة.

هذه نظرة على الوضع الشائك.

-------------------------

المنطقة

تبلغ المنطقة المتنازع عليها حوالي ثلث مساحة سوريا، ما يشكل مثلثا مضطربا.

في الشمال الحدود مع تركيا، وفي الشرق الحدود مع العراق، والضلع الثالث هو نهر الفرات.

كان هذا قلب معقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا إلى أن اشتركت الولايات المتحدة بالتعاون مع ميليشيا كردية - هي قوات سوريا الديمقراطية وكان قوامها نحو 60 ألف مقاتل على الأرض إلى جانب بعض العرب والآشوريين المسيحيين- في طرد مسلحي التنظيم.

المنطق مهمة من الناحية الاستراتيجية.

فبالنسبة لحكومة بشار الأسد وحليفتيها، روسيا وإيران، استعادة المنطقة تعني استعادة السيادة.

كانت المنطقة في السابق مصدرا لقمح وشعير سوريا، كما كانت سدودها تولد الكهرباء وبها أغنى موارد النفط في البلاد.

بدونها، سيعاني الأسد خلال عملية إعادة الإعمار والحكم على المدى البعيد.

للأسباب نفسها، كانت المنطقة مصدر دخل كبير للميليشيات الكردية.

بالنسبة للأكراد، كان نفوذهم هناك يشكل جزءا من هدفهم الذي طال انتظاره للحصول على الحكم الذاتي.

أما الولايات المتحدة، فقد كان وجود قواتها هناك يضمن بقاء نفوذها.

ترى تركيا الحكم الذاتي الكردي على حدودها "تهديدا وجوديا"، وتعهدت بالتصدي لذلك، متهمة الولايات المتحدة بتمكين الميليشيات الكردية التي تقول أنقرة إنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يعمل داخل أراضيها.

------------------------

الأسد وروسيا

بدون الأمريكيين، سيكون الباب مفتوحا أمام الأسد وروسيا للتحرك.

"الوجود الأمريكي كان العقبة الوحيدة التي تمنع الأسد من السيطرة على شرق سوريا، بالإضافة للغطاء الذي وفرته واشنطن للقوات الكردية.. إذا انتهى هذا الوضع، فلن يكون هناك أي تحد حقيقي من شأنه أن يمنع النظام من استعادة السيطرة على تلك المناطق"، هكذا يقول أيهم كامل، رئيس منظمة (أوراسيا) لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بعد أن تخلت عنهم واشنطن، اضطر المقاتلون الأكراد إلى التحرك نحو روسيا والأسد لحمايتهم من عدوتهم اللدودة التي يخشونها كثيرا، تركيا.

من غير المرجح أن تختفي قواتهم التي سلحها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

فبدلا من ذلك، سيسعى الأكراد للتعاون مع الأسد لمواصلة القتال بالتزامن مع توسيع الحكومة سيطرتها على المنطقة.

تفاخر مسؤولون سوريون بالانسحاب الأمريكي ووصفوه "بالهزيمة".

السيطرة على شرق سوريا سيساعد الأسد على الانتصار بشكل تام في الصراع.

كما سيساهم القرار الأمريكي في تسابق الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الأسد، الذي قاطعته لسنوات.

بالفعل، أعادت الإمارات العربية المتحدة - الحليف الوثيق للولايات المتحدة والسعودية - فتح سفارتها في دمشق مؤخرا.

--------------------

تركيا والأكراد، روسيا والأسد.

يستعد الجيش التركي إلى جانب حوالي 15 ألف مقاتل سوري لشن هجوم في شرق سوريا لإنهاء السيطرة الكردية على الحدود.

لكن الهجوم يخاطر بخلق احتكاك مع روسيا.

بشكل خاص، قد يتسبب الهجوم في خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الطرفان بشأن إدلب، المحافظة الواقعة شمال غرب البلاد والتي تسيطر عليها المعارضة ومسلحون إسلاميون وتتمتع تركيا بنفوذ هناك.

يجري مسؤولون روس وأتراك محادثات في محاولة لتجنب أي توتر هناك.

يقول يوري بارمين، محلل سياسي روسي، "أي عملية عسكرية تركية ضخمة لن تصب في مصلحة روسيا. إنها ستزعزع الوضع وستهدد بتقويض اتفاقيات إدلب ومحادثات إعادة الإعمار. بالإضافة إلى ذلك، إذا قررت تركيا الاستيلاء على جميع المناطق الكردية، فسوف تصطدم بروسيا وإيران لا محالة".

تشعر تركيا بقلق أيضا من احتمال سيطرة الحكومة السورية على مناطق شرق البلاد.

في الماضي، استخدمت دمشق الميليشيات الكردية كوسيلة ضغط على أنقرة، وقد تفعل ذلك مرة أخرى.

على مدى قرابة 20 عاما، استضافت سوريا زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، حتى تم القبض عليه في عام 1998، وهو مسجون الآن في تركيا.

-------------------

إيران وإسرائيل

تحرك النظام السوري نحو الشرق يعني انتشار إيران كذلك. فسوف يوسع هذا التحرك بشكل كبير الممر البري، حيث تتمتع إيران بالحرية المطلقة للمقاتلين المتحالفين معها ولأسلحتها وإمداداتها عبر العراق وسوريا إلى لبنان.

بالفعل، مدد مسلحون مدعومون من إيران سيطرتهم على مساحات قريبة من الحدود السورية مع العراق ويعبرون بحرية ذهابا وإيابا.

أثار هذا قلق إسرائيل. والنتيجة المحتملة هي زيادة الغارات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف المشتبه في ارتباطها بإيران في سوريا.

-----------------

الولايات المتحدة وتركيا وتنظيم الدولة الإسلامية

رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرة أن الولايات المتحدة بحاجة للتأثير في الصراع، قائلا إن سوريا ليس إلا "رمال وموت".

وزعم أن المهمة الأمريكية هناك - لقتال تنظيم الدولة - اكتملت إلى حد كبير. لكن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يحتفظ بجيوب في البلاد وحذر المسؤولون في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من إمكانية صعود التنظيم من جديد.

كان هناك أيضا اضطرابات متزايدة بين العشائر العربية في الشرق، التي تشعر بالاستياء من الإدارة التي يقودها الأكراد. ومن المرجح أيضا أن يكونوا مصدرا للتوتر ويمكن أن تستغلهم الأطراف الفاعلة المختلفة من أجل مصالحهم الخاصة.

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لترامب إن قواته يمكنها أن تتولى قتال تنظيم الدولة الإسلامية.

في هجومين سابقين، استعادت القوات التركية والمقاتلون السوريون الموالون لها السيطرة على أراض في شمال غربي البلاد من تنظيم الدولة ومن المقاتلين الأكراد.

لكن سجلها من الانتهاكات والتهجير القسري للأكراد والخروج على القانون يثير القلق حول ما إذا كان يمكن لتلك القوات ممارسة السلطة في الشرق.

قال نيك هيراس، خبير في الشأن السوري في مركز الأمن الأمريكي الجديد: "القوات التي عرضها أردوغان على ترامب لتحل محل الميليشيات الكردية في شرق سوريا ليست كبيرة بالقدر الكافي، ولا تحظى بشرعية محلية بالشكل الكافي، وبصراحة ليست قابلة للمقارنة مع معايير الجيش الأمريكي".

ترك تعليق

التعليق