الاقتتال الفصائلي بعين أخرى: تسوية تجارية غايتها المعابر وتأمين الطريق الدولي


لا يمكن الحديث عن الاقتتال الذي جري مؤخراً بين "تحرير الشام" وحركة "نور الدين الزنكي" دون لفت الانتباه إلى المعطيات الاقتصادية التي ساهمت في تأجيج هذا الصراع الذي يخفي بين خطوطه العريضة صفقة أو صفقات تجارية كبيرة تتعلق بالمعابر وطرق التجارة بين إدلب وريف حلب من جهة وبين النظام وتركيا وقوات سورية الديمقراطية وأيضاً منطقتي سيطرة المعارضة في درع الفرات وغصن الزيتون من جهة أخرى.

والحقيقة تؤكد أن الخارطة في الشمال السوري دون وجود "الزنكي" تختلف ملامحها كثيراً عنها مع وجود هذا الفصيل المثير لتعب الكثيرين ومن بينهم تركيا وفصائل الجبهة الوطنية و"تحرير الشام" التي تعده خصماً عنيداً بعد أن كان صديقاً مقرباً عند تأسيس الهيئة بدايات العام 2017.
"الزنكي" كان يدير معبرين هامين على طرق التجارة في المنطقة؛ معبر دارة عزة وهو الأهم ويصل بين مناطق المعارضة في إدلب وريف حلب الشمالي الذي تديره فصائل مدعومة من تركيا ضمن عملية غصن الزيتون. وعلى مدار السنوات الماضية لعبت مدينة دارة عزة دوراً هاماً في تمرير المحروقات والبضائع بين المنطقتين.

وهناك، معبر المنصورة الذي افتتحته "الزنكي" مع النظام في منطقة المنصورة بريف حلب الغربي، وشكل سبباً إضافياً لعناد "تحرير الشام" في القضاء على "الزنكي".

ومع خارطة المناطق الجديدة التي سيطرت عليها "تحرير الشام" الآن، سيتسنى لها إحكام السيطرة على كامل المعابر مع النظام عدا معبر قلعة المضيق الذي تديره فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير".

 وأدت جهود "تحرير الشام" في افتتاح معبر مورك بريف حماة الشمالي إلى تحجيم دور معبر قلعة المضيق مقارنة بالدور الأكبر الذي يلعبه معبر مورك.

إضافة للمعابر مع النظام، بات بإمكان "تحرير الشام" إدارة خط التجارة مع عفرين عن طريق معبر دارة عزة ومع تركيا عبر معبر باب الهوى، وهكذا تكتمل قائمة المعابر بين الشمال السوري ومحيطه الخارجي.

السيطرة على المعابر ليس هو الهدف الاقتصادي الوحيد الذي تحاول "تحرير الشام" الوصول إليه، ففي إدلب طريقان هامان هما، طريق دمشق-حلب الذي يمر بإدلب عبر معرة النعمان ثم سراقب. وطريق حلب-اللاذقية الذي يمر بجسر الشغور ثم أريحا. ويرمز لهذين الطريقين في الأروقة الدولية بـ (M4) و(M5). وحتى اللحظة، يشكل هذان الطريقان دافعاً قوياً لقوات النظام للتوغل في المنطقة بغية تأمين الطريقين الذين يعتبران جزءاً من خطوط تجارية كبيرة تصل بين الأردن وتركيا.

يرى البعض أن صفقة ما جرت بين "تحرير الشام" والدول الراعية لمؤتمر "أستانة" تعهدت من خلالها بحماية الطريق الدولي. ويشيرون إلى أن إصرار "الهيئة" في القضاء على "الزنكي" جاء من أن الفصيل الأخير شاغب طويلاً للحصول على ميزة تأمين الطريق الدولي. لكن ونظراً لغياب الثقة بـ "الزنكي" نتيجة الأخطاء المتتالية التي وقع بها، لم تجد هذه الدول بديلاً عن "تحرير الشام" التي يرجى منها القيام بدور الشرطي الذي يخلق منطقة آمنة تؤدي لفتح طرق التجارة دون خوف أو قلق، حسب أصحاب هذا الرأي.

ما يدعم هذا الرأي هو توجه "تحرير الشام" بعد قضائها على "الزنكي" إلى عقد تسوية مع فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تسيطر على معرة النعمان وأريحا. وقد تمكن الطرفان من توقيع اتفاق ينص على وقف القتال بشكل نهائي وعدم اللجوء للقوة في حل الخلافات مهما كانت المبررات وعودة المواقع التي سيطرت عليها الجبهة وكانت للهيئة، في الريف الجنوبي والشرقي لإدلب إلى هيئة تحرير ‏الشام، خلال 48 ساعة كحد أقصى.

مما سبق.. يتبين أن الصراع بين المعارضة في إدلب لم ينته بعد على الرغم من الاتفاق الأخير. فـ "تحريرالشام" التي طالبت بأريحا ومعرة النعمان ستسعى اليوم أو غداً لإحكام السيطرة عليهما لتتفرد تماماً بحماية الطريق الدولي نظير ما أحرزته من نجاح في السيطرة على معابر وخطوط التجارة في المنطقة.

ترك تعليق

التعليق