اقتصاديات.. على هامش أزمة الغاز في سوريا


من التبريرات السخيفة التي يطلقها مسؤولو النظام عن أسباب فقدان مادة الغاز في الأسواق، هو زيادة استخدامها لأغراض التدفئة في الشتاء.. فإذا كانت الكهرباء طوال الوقت مقطوعة، والمازوت شحيح وغير متوفر، فكيف إذاً سيتدفأ السوريون..؟!، هل يعتقد المسؤولون أن هناك طرقاً أخرى للتدفئة، بعيداً عن تلك المصادر الثلاثة..؟

غير أن القصة ليست لها علاقة بهذه التبريرات، فسوريا طوال تاريخها في عهد الأسدين، لم تعرف الوفرة في هذه المواد، وكلنا يتذكر أنه بعد قيام الثورة السورية بأيام، أول ما قام النظام به، هو قطع الكهرباء، وخلق أزمة في الغاز والمشتقات النفطية، ثم أرسل وزير كهربائه ووزير نفطه، ليبتزا المناطق الثائرة، أن أوقفوا الاحتجاجات، وسوف نعيد كل شيء إلى سابق عهده.

في ذلك الوقت، لم يكن سابق عهده بالنسبة للمحتجين، بأحسن حالاً من لاحقه، واستطاعت الناس أن تتكيف مع أسوأ الظروف، من خلال خلق حلول إبداعية، جعلت النظام يفشل في رهانه، على أن المناطق الثائرة لن تستطيع العيش بعيداً عن دولته ومؤسساته الكسيحة، سوى لبضعة أشهر.
 
والحق، أنه لولا ظروف الكتائب العسكرية التي كانت أشد ظلماً على الناس من النظام، لاستغنى السوريون عن دولتهم وخدماتها الوهمية، لدرجة أن الكثيرين لم يجدوا فارقاً كبيراً بعد أن غادر النظام مناطقهم.

أما بخصوص أزمة الغاز الحالية، التي تشهدها أغلب المناطق السورية، وبالذات تلك التي كانت سابقاً خارج سيطرة النظام، فهي أزمة ممنهجة، لن تنتهي عند هذا الحد، بل سيعمد النظام على الدوام إلى خلق أزمات متلاحقة، لا يستطيع السوري أن يخرج من إحداها حتى يقع في الثانية، والهدف منها جعله "مطووشاً" طوال الوقت، ولا يستطيع أن يفكر سوى باليوم الذي يعيش فيه.
 
إن بشار الأسد يستحضر سياسة والده في الثمانينيات من القرن الماضي، عندما جعل السوري يشعر بالانتصار إذا ما استطاع الحصول على علبة محارم مثلاً.

هذا ما يخطط له النظام لكي يستمر في حكم سوريا، وعدا ذلك فهو يعمل على خلق دولة مافياوية، ينقسم فيها المجتمع إلى طبقتين: طبقة يشتغل على نموذجها في "ماروتا سيتي" ومنطقة القابون، وطبقة أخرى هي التي تعيش خارج هذه النماذج..

إنه قرر أن يبني سوريا التي فشلت في إسقاطه، على هذا النحو المدهش، حيث من الآن وصاعداً، لن يكون هناك حديث، سوى عن ما يفعله ويقوم به هؤلاء الذين يعيشون في الطبقة الأولى.. أما الطبقة الثانية، فسوف يجعلها هذا "الرئيس"، تدفع كثيراً ثمن الحرية التي طالبت بها.. لازلتم لم تروا شيئاً من عجائب هذا "الولد"..!

ترك تعليق

التعليق