صناعة المفروشات.. بين التجربة السورية ونظيرتها التركية


"بعد 5 سنوات من الانقطاع عن العمل، كانت الأيام الأولى بالنسبة لي صعبة للغاية"، هكذا بدأ "عمار" حديثه لـ "اقتصاد" عن عمله في مجال صناعة المفروشات في تركيا.

"عمار" هو ابن مدينة داريا، ودخل تركيا بعد تهجيرهم من مسقط رأسهم، قبل عامين.

يتابع حديثه لـ  "اقتصاد" قائلاً: "وجدت صعوبة كبيرة في الأيام والأشهر الأولى لي في تركيا. انعدام اللغة وقف عائقاً أمام معرفة اسم المهنة إضافة إلى الابتعاد عن العمل مدة تزيد عن 5 سنوات كنا خلالها محاصرين في داريا. بعد شهر تقريباً تمكنت من إيجاد فرصة عمل في مجال عملي عن طريق شاب سوري تعرفت عليه صدفة في إحدى مواقف الباصات".
 
يكمل "عمار" قصته: "الراتب الأول الذي حصلت عليه في تركيا كان 1500 ليرة تركية استطعت رفعه ليصل إلى 2000 ليرة تركية في غضون أشهر بعد أن استعادت ذاكرتي ويدي عافيتهما في مجال التنجيد. فسنوات الحرب كانت قد أنستنا أساليب العمل، في حين اعتادت أيدينا على حمل السلاح فقط".

"عمار" الذي بدأ العمل في مجال صناعة المفروشات وهو في سن العاشرة في مدينة تشتهر بصناعة المفروشات قرب العاصمة دمشق في "داريا"، روى لـ "اقتصاد" أيضاً تفاصيل تعلمه المهنة خلال عدة سنوات قائلاً: "بدأت العمل في سن العاشرة في ورشة لصناعة المفروشات خلال فترة العطلة الصيفية للمدارس".
 
"خلال الصيفية الأولى كنت أحصل على راتب قدره 100 ليرة أسبوعياً ارتفع في السنة التي تليها إلى 200 ومن ثم إلى 500 ليصل قبيل الثورة إلى 3500 ليرة سورية. كنت حينها قد استطعت إتقان المهنة باحتراف".
 
أما عن الاختلاف في المهنة بين سوريا وتركيا، يقول "عمار": "في تركيا تعمل الورشات الصغيرة والمعامل على إنتاج أنواع من أطقم الكنب لا تستطيع كفالتها أكثر من سنتين حيث يعتمد أصحاب تلك الورش على العمل بطريقة تجارية أو كما تسمى بالعامية (بازارية)، وتوفر تلك الطريقة ربحاً أعلى لصاحب العمل بسبب الإقبال الكبير على الشراء لانخفاض السعر".
 
"أما في سوريا فقد كنا نعمل على الطقم مثلاً ونستطيع كفالته عند بيعه للزبون مدة تزيد عن 5 سنوات لجودة المواد المستخدمة في صناعته".
 
"عمار" أشار إلى وجود معامل تركية تعمل على إنتاج أطقم بجودة مماثلة وقد تكون أعلى من تلك التي في سوريا إلا أن سعر الطقم يرتفع كثيراً مقابل نظيره "التجاري". ويوجد في سوريا أيضاً ورش تعمل على الإنتاج بطريقة "تجارية". ويعطي "عمار" مثالاً على ذلك وهو وجود أطقم كنب في سوريا بسعر 10 آلاف ليرة سورية (قبل الثورة)، في حين كانت توجد أخرى يصل سعرها إلى 250 ألف ليرة.

في تركيا كذلك الأمر تستطيع شراء طقم بسعر 1500 ليرة تركية مثلاً، في حين توجد معامل وورش يصل سعر الطقم فيها إلى أكثر من 50 ألف ليرة تركية.

المواد المستخدمة في الصناعة

في الحديث عن المواد المستخدمة في صناعة المفروشات وخصوصاً الأخشاب، قال "أبو وائل": "أنواع الخشب التي كانت تستخدم في سوريا تختلف عن المستخدمة هنا في تركيا. ففي تركيا تعتمد معظم المعامل في عملها على خشب (السنطة) وهي عبارة عن ألواح مضغوطة بواسطة آلات خاصة محشوة بمواد تشبه (نشارة الخشب) مشابهة للنوعية المعروفة (MDF)، إضافة إلى خشب الزان الذي يستخدم أيضاً في الصناعة".

و"أبو وائل" هو ابن حي جوبر والذي دخل تركيا بعد التهجير الذي طال الغوطة الشرقية بداية العام السابق. ويتابع حديثه في تصريح خاص لـ "اقتصاد" عن الفرق في المواد المستخدمة بصناعة المفروشات: "في سوريا، كان الاعتماد الرئيسي في العمل على خشب الزان والخشب الكندي المعالج حصراً، وهو ما يمكن معه كفالة المنتج من التلف، سواء كان طقم كنب أو باب أو شيء، في حين أن نوعية الزان التي تعتمدها معظم المعامل والورش التي تعمل في تركيا بطريقة (تجارية) غير معالجة، تتسبب بتسوس الخشب وتلفه بعد فترة من تصنيعه".

مهنة صناعة المفروشات كانت ملاذاً للعديد من أصحاب المهن من السوريين، سواء كان هذا السوري حداداً أو نجاراً أو خياطاً أو منجداً أو حتى بخاخاً، فجميع تلك المهن تتحد في تركيا تحت سقف معمل واحد.

بالنسبة لـ "أبو وائل"، لم يجد فرقاً كبيراً في الراتب الذي كان يتلقاه في سوريا، مقارنةً بذاك الذي يتلقاه حالياً في تركيا، إذا ما قورن بسعر صرف الدولار. في حين يسعى "عمار" إلى إنشاء عمله الخاص بعد أن استطاع التأقلم مع الوضع الحالي في تركيا إضافة إلى الإقبال الكبير على سوق المفروشات التركي من جميع دول العالم.

يُذكر أن مدينة "انيغول" التابعة لولاية بورصة، تعد من أبرز المدن التركية التي تشتهر فيها صناعة المفروشات إضافة إلى وجود صناعة فاخرة فيها، تعمل على إنتاج أطقم ذات جودة عالية. ويُقام فيها بداية الصيف من كل عام معرض كبير للمفروشات يحضره عدد كبير من رجال الأعمال الخليجيين والأوروبيين.

ترك تعليق

التعليق