ما الذي تم بحثه في اجتماع المعارضة حول "منبج"؟


تستعد كيانات سياسية سورية معارضة، مقرّبة من تركيا، لترتيب مرحلة ما بعد السيطرة على منبج، بغية تجنب أي احتمالات للفوضى أو الوقوع في أخطاء تشبه تلك التي حدثت في مناطق سورية أخرى، في ريف حلب الشمالي أو الغربي.

وفي هذا السياق، عقدت الحكومة السورية المؤقتة، برئاسة الدكتور جواد أبو حطب، بحضور عدد من أعضاء الائتلاف السوري المعارض، اجتماعاً ضم نشطاء معارضين، يتحدرون من منطقة منبج، للتباحث في سبل إدارة المدينة، حال انتقالها لسيطرة المعارضة.

النائب الألماني السابق، من أصل سوري، جمال قارصلي، كان أحد النشطاء الذين حضروا الاجتماع، وتحدث في تصريحات مستفيضة لـ "اقتصاد" عن تحضيرات المعارضة للمرحلة المقبلة في منبج.

وأوضح قارصلي أن الغاية الرئيسية للاجتماع كانت ترتيب إجراءات تجعل سكان مدينة منبج مطمئنين حيال دخول الجيش الحر المدعوم من تركيا، للمدينة.

ويرجح معارضون مقربون من تركيا حسم ملف منبج لصالح الأخيرة، وعدم دخول النظام أو الروس إليها. كما يرجحون جدّية تركيا في الدخول إلى منبج، في ظل حشود عسكرية ضخمة، يمكن مشاهدتها بوضوح على تخوم المنطقة.

وتذهب تقديرات إلى وجود 800 ألف سوري يقطنون المدينة، جُلّهم من النازحين من مناطق سورية أخرى. لذلك فإن دخول النظام قد يشكل كارثة للكثيرين منهم، إذ أن معظمهم من بيئات وحواضن اجتماعية معارضة للنظام، ونزحوا من مناطق سيطرته، حسب وصف جمال قارصلي.

وأضاف قارصلي في حديثه لـ "اقتصاد": "هدفنا ألا يحدث قتال. وأن يتم تحييد المدينة".

وذكّر قارصلي بأن أبناء مدينة منبج أداروا المدينة لمدة سنتين، بعيد تحريرها من النظام، دون أي مشاكل تُذكر.

وقبل أن يقتحم تنظيم "الدولة الإسلامية"، منطقة منبج، كانت من أولى المناطق المحررة من النظام في الفترة بين عامي 2012 و2014، حيث خضعت لإدارة مدنية من الكفاءات التي تتحدر من المنطقة ذاتها.

وأشار قارصلي إلى ميزات اقتصادية تجعل منبج ذات أهمية استراتيجية. فهي ليست على الحدود التركية بشكل مباشر، وفي نفس الوقت، يمر قربها طريق دولي يربط بين الحسكة وحلب.

ولا توجد تقديرات دقيقة لتعداد سكان منطقة منبج، لكن هناك تقديرات مبدئية تشير إلى أن المنطقة في جزئها الخاضع لسيطرة ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية – قسد" تضم ما يزيد على المليون نسمة.

ويسيطر النظام حالياً على النصف الجنوبي من منطقة منبج. وقال قارصلي، إن ميليشيات النظام "عفشت" الكثير من البيوت والمحلات، ومارست نشاطات نهب مُروعة، حينما دخلت إلى الريف الجنوبي للمنطقة، قبل سنتين، وذلك رغم أن معظم سكان قرى الريف الجنوبي، كانت موالية للنظام. لذلك يؤكد قارصلي أن دخول النظام إلى مدينة منبج وقرى أريافها الأخرى، قد يتسبب بتهديدات أمنية عالية المستوى لشريحة واسعة من سكان المنطقة، من المعارضين له.

وأكد قارصلي أن أهالي منبج، يرفضون دخول النظام إلى مدينتهم.

ويتحدر قارصلي من مدينة منبج. وهو على تواصل شبه يومي مع نشطاء في الداخل، حسب وصفه.

 وشهدت منبج استقراراً أمنياً مقبولاً في ظل سيطرة "قسد". كما انتعشت حركة العقارات فيها، ولم تواجه مشكلات خدمية ملحوظة. لكن جمال قارصلي يؤكد لـ "اقتصاد" أن هذا الاستقرار يُخفي تفاصيل تتعلق بسيطرة أكراد أتراك على المشهد في المدينة، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وقال قارصلي: "هناك 5 إلى 6 قيادات كردية تتحدر من أصول تركية، ولا يتقنون العريبة، وتحتاج إلى مترجم للحديث معهم. هم أصحاب القرار في منبج، حتى على حساب الكُرد السوريين. إنها أشبه باستنساخ تجربة النظام في اعتماد العلويين كقيادات لإدارة المشهد الأمني. هذا ما يحدث في منبج الآن".

وتعرّض نشطاء يتحدرون من منبج، للاعتقال أو التصفية، بعد العودة إلى المدينة، إبان سيطرة "قسد"، حسب وصف قارصلي. ويبدو أنهم أخطأوا في تقديراتهم بإمكانية العمل مع "قسد". فالقيادة في هذه الميليشيا ذات طابع "قومي" محصور بفئات محددة.

ورغم ذلك، يتعاون بعض سكان منبج مع "قسد". وهناك قيادات من أبناء المدينة اندمجوا في أجهزة الإدارة التي تقودها "قسد". لكن قارصلي يؤكد أن المتعاونين أقلية، وأن معظم أبناء مدينة منبج يفضلون أن يديروا مدينتهم بأنفسهم، كما كان الحال عليه قبل دخول تنظيم "الدولة" و"قسد".

ويشكل العرب غالبية سكان منطقة منبج. وتضم المنطقة أطيافاً أخرى من الكرد والتركمان والشركس وقلّة من الأرمن.

واستهدف اجتماع المعارضة يوم السبت، بحث ملفات من بينها، ضمان استمرار الخدمات من كهرباء وماء وخبز، حال دخول الجيش الحر المدعوم تركياً إلى المنطقة. وقال قارصلي: "إن الاجتماع ناقش تجنب حدوث اعتقالات عشوائية، عبر تشكيل لجنة قضائية"، معقّباً: "الهدف توجيه رسائل تطمين لأهلنا في منبج".

ويواجه أداء المجالس المحلية والفصائل المسلحة في منطقة "درع الفرات"، المدعومة تركياً، انتقادات جراء مظاهر فوضى نسبية في الإدارة.

وقال قارصلي: "هدفنا أن يكون هناك تسامح. هدفنا أن تكون منبج نموذجاً لكل سوريا، بتنوع مكوناتها".

وضم الاجتماع شخصيات ونشطاء سياسيين يتحدرون من منبج. وقال قارصلي إن هناك هيئة سياسية تمثل نخبة أبناء المنطقة، تتواصل مع قيادات المعارضة.

ويعتقد قارصلي أن هناك عدداً جيداً من الكفاءات المتحدرة من المدينة، تستطيع إدارتها بنجاح، حال سيطرة الجيش الحر المدعوم تركياً، عليها. وقال: "هناك ضباط شرطة ومهندسون ومدرسون".

وهناك عشرات آلاف اللاجئين من منبج يعيشون في تركيا. كما أن هناك تقديرات بوجود 60 إلى 70 ألف نازح من المنطقة يعيشون في جرابلس واعزاز في منطقة "درع الفرات"، شمال حلب.

وبخصوص الموارد التي يمكن الاعتماد عليها لإدارة المنطقة، أشار قارصلي إلى سد تشرين، الذي يولد الكهرباء، بوصفه أحد الموارد المهمة في منطقة منبج. ويخضع هذا السد، على نهر الفرات، لسيطرة "قسد" حالياً.

كما أشار قارصلي إلى المخابز التي توجد في المنطقة. كما أن هناك جبايات ضريبية، ستشكل الدعامة الرئيسية لتمويل إدارة المنطقة.

وأكد قارصلي أن نشطاء المنطقة المتعاونين مع المعارضة وتركيا ليس لديهم موقف سلبي ضد "الدولة السورية" وأجهزتها ومؤسساتها. مشكلتهم فقط مع النظام حصراً. مذكّراً بأنه في الفترة التي سيطر فيها المعارضون على المنطقة، قبل دخول تنظيم "الدولة الإسلامية"، كانت الإدارة المدنية للمدينة تجمع الجبايات الضريبية وتودعها في فرع المصرف الزراعي المتواجد هناك. ويمولون منها نشاطات الإدارة.

وفي حال حدوث صراع مسلح على المنطقة، بين فصائل المعارضة وبين النظام، قال قارصلي إن المشهد حينها سيكون كارثياً. وقال، إنه سيناريو أشبه بما يمكن أن يحدث في إدلب، إن هاجمها النظام. مذكراً بعدد السكان الضخم الذي تضمه المنطقة.

وأقرّ قارصلي بأن النقاشات في اجتماع الحكومة المؤقتة ونشطاء المدينة المعارضين تطرق للأخطاء التي وقعت بها الإدارات المحلية في منطقة "درع الفرات". وقال: "نريد تجنب تكرار هذه الأخطاء، وذلك عبر التعلم منها، وعبر الاستفادة من تجارب المجالس المحلية في شمال حلب".

وختم قارصلي حديثه لـ "اقتصاد" بالتأكيد على أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وذراعه العسكري "قوات سوريا الديمقراطية"، لا يمثل بأي شكل من الأشكال، الكُرد السوريين.

وعقّب: "نريد أن تكون منبج لكل أبنائها، بعربها وكُردها، وبتركمانها وشركسها، وأرمنها أيضاً. نريدها أن تكون نموذجاً لكل السوريين، وللتسامح والتعايش بين مختلف مكونات هذا البلد".

وتعيش منبج أمام مفترق طرق بين سيناريوهات عدة، منذ إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قراره الانسحاب من سوريا. وأجرت تركيا اتصالات دبلوماسية مكثفة مع الروس والأمريكيين، لترتيب المشهد بعد الانسحاب الأمريكي، خاصة في منبج، وكذلك في مناطق شرق الفرات المتاخمة للحدود التركية.


ترك تعليق

التعليق