البرد يطال التعليم بالمزيد من الضعف.. في درعا


لم يرغب التلميذ "صهيب المحمد" من الصف الثالث الابتدائي، الذهاب إلى مدرسته هذا اليوم؛ متذرعاً بالقول: "هنا برد وفي المدرسة برد؛ لذلك سأجمع بعض أعواد الحطب لأمي؛ لتشعلها في غرفتنا المتواضعة للطهو والتدفئة".

ويردف الطفل ذي التسعة أعوام "الجو بارد جداً، وبعض الصفوف ما فيها لا شبابيك، ولا أبواب، ولا يوجد فيها صوبيات، وكلنا نرتجف من شدة البرد".

وتشهد المناطق المحررة بدرعا وضعاً عمرانياً مزرياً؛ نتيجة الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس، وأسهمت في تدمير آلاف المنازل ومئات المدارس بشكل كلي أو جزئي، في ظل عجز واضح من قبل المؤسسات التربوية التابعة للنظام عن تقديم أية خدمات ممكنة، رغم سيطرة النظام على جميع مناطق درعا وعودتها إلى إدارته منذ عدة أشهر.

ويترافق ذلك مع شح كبير في المحروقات، ومواد التدفئة، سواء في المدارس، أو لدى الأهالي، وهي حالة لم تشهدها المناطق إبان أصعب الظروف، التي عاشتها المحافظة خلال السنوات السبع الماضية.

وتشير مصادر من مناطق درعا، إلى عجز مؤسسات النظام عن تقديم مخصصات الأسر والمدارس من مادة المازوت المخصصة للتدفئة، في ظل تحليق واضح لأسعارها، مع زيادة الطلب عليها خلال اشتداد البرد، حيث وصل سعر ليتر المازوت إلى 400 ليرة سورية، واسطوانة الغاز المنزلي الحر إلى 8500 ليرة سورية، فيما ارتفع طن الحطب من 36 ألف إلى نحو 50 ألف سورية.

ويشير "أبو محمد"، 59 عاماً، وهو مدرس سابق، إلى أن المناطق المحررة مازالت تعيش على وقع وعود مؤسسات النظام الكاذبة، التي يكررها المسؤولون في كل مناسبة، "والتي لم نر منها شيئاً على أرض الواقع".

وأضاف أن مديرية التربية والجهات المعنية لدى النظام، قامت بترميم بعض المدارس التي لا تحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة، وأبقت على المدارس المتضررة بشكل كبير، لافتاً إلى أن حجة المسؤولين الدائمة لتبرير عجزهم، هي ضعف الإمكانيات المخصصة لأعمال الترميم، وعدم وجود سيولة مالية.

وأضاف أنه تم تقديم بعض المدافئ ومادة المازوت لعدد من المدارس، لكن لم يتم تركيبها في معظم الصفوف حتى الآن، واقتصر تركيبها فقط في الإدارات المدرسية، وقاعات المدرسين، بحجة أن مادة المازوت قليلة، ولا تكفي احتياجات المدارس.

وأشار إلى أن المدارس، عندما كانت تحت سلطة الفصائل، كانت تقدم لها بعض المنظمات والجمعيات، مادة الحطب للتدفئة بشكل مجاني، لكن مع سيطرة النظام على المناطق، توقف عمل المنظمات، وأصبحت مدافئ الحطب غير مناسبة.

ويعاني تلاميذ وطلاب المدارس في المناطق المحررة سابقاً، خلال فصل الشتاء الحالي، أوضاعاً دراسية صعبة؛ نتيجة قلة الإمكانيات والصعوبات الاقتصادية، والإهمال المقصود من قبل مؤسسات النظام، الأمر الذي جعل معظم التلاميذ، غير قادرين على الالتزام بالدوام المدرسي، وتفضيل المكوث في المنازل على الذهاب إلى المدارس؛ بسبب البرد القارس الذي تزامن مع بداية الفصل الدراسي الثاني لهذا العام.

ويقول "علي الحسن"، 40 عاماً، وهو موظف وأب لثلاثة أطفال أكبرهم في الصف السادس: "الجو بارد جداً وملابس أطفالي خفيفة، وأنا أشفق عليهم في هذه الأجواء كثيراً، فالمدارس غير جاهزة لفصل الشتاء وإمكانيات الناس المادية متواضعة جداً لذلك أفضل أن أبقيهم في المنزل".

وأضاف أن معاناة الطلاب في المدارس لا تقتصر على عدم توفر الأماكن المناسبة للتعليم، ونقص مستلزمات التدفئة؛ بل تشمل أيضاً نقصاً كبيراً في الكوادر التدريسية المؤهلة والمدربة، وبصعوبة المناهج التعليمية، التي لم يراع فيها إمكانيات التلاميذ ولا قدراتهم على الفهم والاستيعاب، بعد انقطاعهم الطويل عن مقاعد الدراسة بسبب الحرب.

من جهته دعا "قاسم المحي الدين"، وهو مدرس لغة عربية متقاعد، إلى أهمية إعادة النظر في الكثير من المناهج التعليمية، وتبسيطها بشكل أكبر، ليستطيع التلاميذ فهمها، مشيراً إلى أن الأهالي ومنهم من ذوي الاختصاص، يجدون مشقة في تبسيط وشرح بعض الدروس لأبنائهم؛ بسبب صعوبتها الكبيرة.

ولفت إلى أن الدروس الخصوصية، التي كانت تستهدف طلاب الشهادتين الأساسي والثانوية العامة، باتت تستهدف أيضاً طلاب المراحل الانتقالية، وهو ما يضيف أعباء مالية جديدة على كاهل الأهالي، الذين يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة أصلاً.

من جهتها مصادر في مؤسسات النظام، أشارت إلى أن المؤسسات المعنية تسعى وضمن الإمكانيات المتاحة إلى تحسين خدمات المواطنين في المناطق المحررة بشكل عام، ومنها المؤسسات التعليمية.

وأشارت المصادر إلى أن مديرية التربية التابعة للنظام قامت بترميم جزئي لأكثر من 35 مدرسة في المناطق المحررة خلال العام الماضي 2018، لافتة إلى أن حجم الأضرار الذي حل بالمدارس كبير جداً وهو يحتاج إلى مليارات الليرات السورية لإعادة تأهيلها.

يشار إلى أن معاناة التعليم في محافظة درعا ليست وليدة اللحظة، بل بدأت مع انطلاق الثورة السورية في العام 2011، حيث تعرضت مئات المدارس إلى التدمير على يد قوات النظام، والطيران الحربي الروسي، وزاد في معاناة الأهالي، قيام بعض الفصائل المتشددة بمنع التعليم بشكل نهائي في العديد من المناطق، كما حصل في منطقة حوض اليرموك، الأمر الذي أسهم في تسرب آلاف الطلاب من المدارس.

ترك تعليق

التعليق