المازوت والحليب.. نفاق المشاهير والنظام


التاريخ يعيد نفسه، كما أوعز حافظ الأسد للانتهازي دريد لحام بإشغال الناس وامتصاص ضجرهم أو غضبهم من الحالة الاقتصادية المزرية، والحالة السياسية القمعية، أوعز الرئيس الابن لكراكوزات جدد لتقمص المشهد ذاته، في محاولة قد لا يكون بحاجة إليها لامتصاص مشابه، لأنه المنتصر، وهذا كفيل بإغلاق أفواه مواليه عن النقد ولو وصل الأمر لافتقاد الحليب لأطفالهم.

كان نهاد قلعي (حسني البرزان) مدركاً للعبة الرئيس الأب اللعوب، ولكنه شارك في رسم المشهد أملاً بنتيجة غير ما يريدها المجرم، أما الماغوط الرجل العفوي الطيب فما كان يطمح لأكثر من عائدات مادية وشهرة ما كان قد حققها، فسارت اللعبة مع اختلاف أهداف اللاعبين.
 
أما كل الممثلين في المشهد الجديد فتتوحد أهدافهم وفق توجه "السيد الرئيس" بانتقاد الجميع ومناشدته شخصياً الحل باعتباره المنقذ المخلص، ومن غير المستبعد أن يكون قد أوجد حلاً لبعض المشكلات التي تحدثوا عنها، بانتظار أن يخرج للعلن ويعلن الفرج الجزئي الكفيل بإبرازه بطلاً إنسانياً لا عسكرياً هذه المرة.

هو بهذه الطريقة يكرر ما فعله "المعلم الأب" في مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما تفاقمت أزمة الكهرباء ووصلت إلى مرحلة الانقطاع التام، حيث عقد اجتماعاً في وزارة الكهرباء أوعز فيه بإلغاء التقنين تماماً "اعتباراً من هذه اللحظة" وكان قد تلقى مجموعتين حرارتين لتوليد الكهرباء كمنحة من الصين واكتمل تركيبهما وأصبحتا جاهزتين للعمل ليلة الاجتماع، وظهر كقائد مخلّص منقذ، يحقق المعجزات بإيعاز صغير.

الصورة التي نشدها الأب وينشدها الابن هي تعظيم شخص الرئيس وحصر فك الرموز المستعصية بشخصه فقط، وإظهار كل من هم دونه مرتبة في القيادة والوزارات كفاشلين، لا ينجزون ما عليهم تجاه المواطن دون اليد السحرية التي يضغط الرئيس بأصابعها على الزر السحري.

وتذكرنا هذه التمثيلية بصلاة الاستسقاء التي كان يوجه بها الرئيس الأب ومن بعده الرئيس الابن إذا ما تأخر هطول المطر، فكانا يوعزان لمشايخ السلطان بتأدية هذه الصلاة عندما تخبرهم الأرصاد الجوية بأن المنخفض الماطر وصل حدود البلاد وستمطر بعد ساعات، لتخرج أبواقهم في كل مرة تسبح بعظمة القائد وقربه من ربه الذي استجاب لدعواته بالاستسقاء.

ينطلي هذا النفاق المكشوف على الموالين الأغبياء، أما الانتهازيون فيجدون فيها فرصة للتطبيل والتزمير للقائد الملهم أملاً بمنصب جديد أو ترفيع وظيفي يدركون تماماً أنه لن يتحقق إلا بولوج هذا المدخل.

غير أن مناشدي الرئيس اليوم لتخليصهم من العذاب الأبدي مع المازوت والحليب والغاز لا يتعدون أن يكونوا أداة لتنفيذ ما أوعز به سيادته، يرتفعون بنظر الناس إذا ما استجاب "القائد المخلص" لنداءاتهم، ويظهرون على حقيقتهم كسفهاء يطالبون بشيء لا يستطيع حتى هذا المخلص تلبيته وقد لا يقتصر الأمر على ذلك فيحشرهم إلى جانب الآلاف في سجونه.

حملة مناشدات الرئيس توسعت لتشمل عدداً من أبناء طائفته المغمورين، وفنانين لم تعد شركات تلتفت لهم، إضافة لصحفيين نصروا المجرم في حربه على السوريين، وقد تزداد اتساعاً حسب التوجيهات أو ردة فعل "الرئيس".

المشهد المقزّز يستمر، وتستمر معاناة المساكين المنقادين قسراً أو طواعية بموالاتهم، يقاسون البرد والجوع وينامون بظلمة، ومعهم المعارضون الصامتون أيضاً يعانون القهر المكبوت فوق كل تلك المعاناة، والمنتج يتفرج ساخراً.

ترك تعليق

التعليق