رائحة عفنة للخبز.. والمتهم، "الخميرة الإيرانية"



عادت طوابير الانتظار تظهر أمام الأفران الحكومية والخاصة في العاصمة وريفها، وكالعادة المتهم عدم وجود وقود يكفي للانتاج، وهذا الأمر له أيضاً من يستغله من تجار وباعة بالاتفاق مع أصحاب الأفران أو موظفيها، وما على المواطن سوى أن يقف لساعات لتحصيل ما يسد أفواه الجائعين المنتظرين.

صحيفة "الوطن" المملوكة لرامي مخلوف، رصدت الازدحام على أفران جرمانا والمزة (الشيخ سعد) وباب توما واليرموك، أي في كافة جهات المحافظة وريفها، وكانت الملاحظة هي ذاتها، طوابير تنتظر أن يأتي دورها للحصول على ربطتي خبز هي المسموح فقط بيعه للمواطن، وإن أراد الحصول على أكثر من ذلك عليه أن يحصل على دور جديد وانتظار لساعات جديدة.

سرقة أكياس الخبز

من حيث الجودة فالخبز يختلف من فرن لآخر، وفي فرن جرمانا كما نقلت الصحيفة لعبة يمارسها باعة الخبز (أي من يقف على نافذة البيع) وهي سرقة الأكياس: "لا يعطي فرن باب توما إلا كيساً لكل ربطتين من الخبز لحجم بيع لا يتجاوز مئتي ليرة ومثله في فرن الشيخ سعد، بينما تختلف عملية إعطاء الأكياس فأحياناً يخصص كيس واحد للربطات الأربع وإذا كنت محظوظاً فلن تعود إلى العامل للحصول على كيس آخر لأنك ستكتشف أنه سيعطيك كيساً بيد وسيدفع بعدة أكياس تحت كنزته بين الفينة والأخرى، حكماً ليس لكي يتدفأ بها".

سرقة علنية
 
أما كيف تحصل الاتفاقيات بين الباعة المتواجدين أمام الأفران، والأفران، فرصدت الصحيفة ما يجري في فرن باب توما: "عملية البيع هي بالاتفاق بين الفرن والبائع حيث يعطي البائع مبلغ 500 ليرة ليقوم البائع ببيعه خبزاً بمبلغ 400 ليرة ويخصم حصته فوراً وهي 25 ليرة لكل مئة ليرة من الخبز، وخلال ساعتين من الملاحظة قام أكثر من ثمانية بائعين معروفين بأخذ حصتهم من الخبز وبيعها فوراً أمام منتظري رحمة الدور".

موافقة أمنية

كما في كل شيء في سوريا هناك استثناءات للحصول على كمية أكبر، وإعفاء من الانتظار، وهذه تأتي من جهات أمنية وعسكرية، ومن يملك تلك الموافقات ينظر إليه بعين الحسد والاحترام.

في فرن جرمانا وفق الصحيفة: "جواب المشرف خارج الفرن للمعترضين جاهز: هذا الشخص معه موافقة، وإذا بدك جيب موافقة وتعا خوذ قد ما بدك".

صورة أخرى للواسطات فهناك من ينتقي أجود الخبز ويخرج دون دور أو انتظار: "هناك زبائن محترمين يدخلون من الباب الجانبي لفرن باب توما ويختارون الأرغفة التي تناسبهم ويجمعون خبزهم ويخرجون على عيون الناس أمام الفرن".

رائحة عفنة

الأهالي في مناطق الريف الغربي للعاصمة تحدثوا لـ "اقتصاد" عن أن المشاكل في الأفران متشابهة من حيث الطوابير والانتظار وسرقة الأكياس، ولكن ما يميزهم وفق "أبو نادر": "فوق كل ما تسمعه من مشاكل هنا بالتحديد للخبز رائحة غريبة تشبه العفونة، وعندما نسأل يقولون لنا أن السبب في الخميرة الإيرانية المستخدمة".

مواطن آخر تحدث عن سوء صناعة الخبر: "الخبز يباع لنا إما (معجن) أو محروق، وبالكاد إن استطعت أكله يصمد ليوم أو لصباح اليوم التالي ومن ثم ستضطر لرميه في الحاوية".

خط أحمر وهمي

النظام كعادته لا يعترف بوجود أزمة أصلاً، وهذا ما صرح به معاون وزير التجارة الداخلية لصحف محلية: "أفران المدينة لا ازدحام عليها والازدحام يكون في أوقات معينة".

ومنذ بداية حرب النظام على شعبه كان يضع الخبز مقياساً لاقتصاده "الصامد في وجه المؤامرة"، وأن ربطة الخبز خط أحمر، ولكن الحقيقة التي لم يعد يجاهر بها أن هذا الخط سقط منذ الأيام الأولى حين أصبحت ربطة الخبر للعسكري والمؤيد بينما عاشت المناطق المحاصرة سنوات الجوع، واليوم تعيش مناطق سيطرة النظام أزمات قاسية أسقطت كل الخطوط وألوانها.

ترك تعليق

التعليق