الفارون من آخر بقع التنظيم: تحقيقات وجمع بصمات وأوضاع إنسانية مزرية


يتعرّض فارون، بحالة بائسة، لتحقيقات وجمع بصمات، من جانب عناصر "قوات سوريا الديمقراطية – قسد"، في شرق دير الزور.

ونشرت "فرانس برس" تقريراً مطولاً يتحدث عن الإجراءات الأمنية التي يتعرض لها آلاف الفارين من آخر بقعة تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" في شرق محافظة دير الزور، والتي تتعرض لهجمات مكثفة من جانب قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع ميليشيا "قسد".

كان نشطاء قد أشاروا إلى أن الفارين، الذين يغلب عليهم النساء والأطفال، تعرضوا لعاصفة رملية، زادت من بؤس حالتهم، أثناء فرارهم من مناطق الاشتباك الأخيرة بين التنظيم و"قسد".


وقالت "فرانس برس": "في أرض صحراوية قاحلة، ينهمك محققون من قوات سوريا الديموقراطية غالبيتهم ملثمون، في جمع معلومات شخصية وأخذ بصمات الفارين من الكيلومترات الأخيرة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، في خطوة أولى تسبق مسار تحقيق طويل".

و"فور وصول شاحنات تقلهم من عمق ريف دير الزور الشرقي، يسارع مقاتلون ومقاتلات من قوات سوريا الديموقراطية لإرشاد وتوجيه الرجال والنساء والأطفال. ويكرر أحدهم بصوت مرتفع (ليذهب الرجال إلى هناك، والنساء إلى الجهة الأخرى)".

"يقف الرجال في طابورين، يتقدم كل بدوره إلى المحقق الذي يمسك بآلة صغيرة رقمية لأخذ البصمات، ثم يلتقط صورة ويسأل كل شخص عن اسمه الكامل وجنسيته".

وحسب تقرير الوكالة الفرنسية، فإن بعض الفارين من جنسيات غير سورية. بعضهم عراقيون. ومن بين الفارين، رجال ملتحون، حسب وصف الوكالة، يخضعون لتحقيقات على ثلاث مراحل من جانب عناصر "قسد". ويتجول في المنطقة عسكريون من "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن، دون أن يتضح ما الدور الذي يقومون به أثناء عملية فرز الفارين.


أحد المحققين الذين تحدثوا لـ "فرانس برس"، قال "تشعر أحياناً أن من يقف أمامك (داعشي) من طريقة كلامه أو تردده في الإجابة، أو اذا وجدت علامات على يده توحي باستخدام كثير للزناد أو على كتفه جراء حمل جعبهم".

ولدى وقوفه في أحد الطوابير، يقول رجل ملتحٍ رداً على سؤال لـ "فرانس برس" حول تأخره في الخروج "كنت أخاف من الاعتقال"، ثم يضيف "لكن عائلتي خرجت قبل أسبوع وجرى نقلها إلى مخيم الهول، تواصلت معهم وقالوا لي (أخرج ولن يحدث شيء)".

ويقول محمد سليمان عثمان، عضو مجلس سوريا الديموقراطي الذي يؤمن وصول النازحين إلى مخيم الهول، في تصريح للوكالة الفرنسية، إن البعض من الفارين ينتمون إلى التنظيم. "منهم من يسلّم نفسه ومنهم من يكون مختبئاً بين المدنيين".

ويقول إن هدف "هذه العملية الأمنية أن نتأكد من هم هؤلاء النازحون، هل هم مدنيون أم مقاتلون مختبئون؟".

وتخضع النساء بدورهن لعملية تفتيش دقيقة على يد مقاتلات من قوات سوريا الديموقراطية. ترفع المقاتلة الملثمة النقاب عن وجه كل سيدة وتبحث في حاجياتها جيداً.

ويجري، وفق المحقق، جمع بصمات والتقاط صور للنساء "المهاجرات"، كما يسميهنّ التنظيم، وهن النساء غير السوريات أو العراقيات.

ويكرر مقاتلو "قسد" هذه الاجراءات بشكل شبه يومي في الفترة الأخيرة مع تزايد موجات النزوح من آخر الكيلومترات الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

وتذهب تقديرات إلى أن نحو 11 ألف شخص، خرجوا من مناطق سيطرة التنظيم، منذ أسبوع.

وبعد إنهاء عملية الفرز، يتمّ نقل النساء والرجال غير المشتبه بانتمائهم الى صفوف التنظيم نحو مخيم الهول شمالاً. ويخضعون هناك مجدداً لتحقيق موسّع، بينما يتم توقيف المطلوبين أو المشتبه بهم.

في المكان المخصص لهن، تجلس مجموعات من النساء وحولهنّ أطفالهنّ. ويكرر معظمهن السؤال ذاته "متى سنذهب إلى مخيم الهول، لقد تعبنا".

وخلال انتظارهن في موقع الفرز هذا غير البعيد عن الجبهة، تروي نساء عدة أن طفلاً توفي ليلاً جراء البرد وجرى دفنه. كما وضعت سيدتين مولوديهما أيضاً.

وما أن تقترب شاحنة منهن حتى تركض النساء مع أطفالهن نحوها، ليتضح أنها تقلّ مقاتلين قدموا لتوزيع الخبز، حسب وصف "فرانس برس".

كان نشطاء قد نشروا صورة لمقاتل في "قسد" يوزع ربطات خبز على عشرات النساء المنقبات والمتزاحمات، في مشهد، اعتبره مراقبون بأنه مُهين.


تسأل آمنة حج حسين (28 عاماً)، من مسكنة في ريف حلب(شمال)، وهي تجلس على الأرض عن موعد الذهاب إلى المخيم بعدما أرهقها الإنتظار في العراء مع تدني درجات الحرارة.

وتروي أنها خرجت مع ابنها (خمس سنوات) من بلدة الباغوز، التي باتت بمعظمها تحت سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية". وتقول إنّ زوجها الذي عمل "موظفاً صغيراً" لدى التنظيم غادر قبل خمسة أشهر عن طريق "التهريب" إلى تركيا للعمل.

وتشرح "أردت الخروج منذ بدء القصف على هجين قبل أشهر، لكنهم كانوا يقولون لنا إن (الأكراد سيذبحونكم)".

تقاطع نورا العلي (18 عاماً)، المتحدرة بدورها من محافظة حلب، آمنة لتشرح كيف أنه خلال الأيام الماضية، "لم يعد بإمكان مقاتلي التنظيم منع الناس من الخروج".

وخرجت نورا من الباغوز مع زوجها، الذي تم فصله عنها بعد عملية الفرز. وتصرّ على أن زوجها، وهو إبن عمها وارتبطت به قبل ثلاث سنوات، "لم ينتم يوماً" الى التنظيم "بل كان عامل مطعم".

وتضيف "كنت أستمع الى الموسيقى في السرّ" وهو ما كان التنظيم يحظره.

تنتظر نورا ما سيؤول إليه الوضع، آملة أن تحقق رغبتها الوحيدة "أريد الذهاب وزوجي إلى أهلنا في تركيا".

وتظهر الصور التي نشرتها وكالة "فرانس برس"، وقبلها وكالة "جيتي"، وتداولها النشطاء، وضعاً مزرياً تظهر علائمه على وجوه وألبسة النساء والأطفال ضمن المجموعات الفارة من آخر بقعة تخضع لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية". ويعتبر مراقبون أن إجراءات "قسد" الأمنية لا تراعي البعد الإنساني في ظروف هؤلاء الفارين. بينما يصرّ مسؤولو "قسد" على أن ذلك ضروري لتجنب هروب عناصر من التنظيم ضمن صفوف المدنيين.


ترك تعليق

التعليق