قصّة حدثت في "القصير".. من "بنك وراثي للمزروعات النادرة" إلى مرتع لنهب الآثار


منذ سنوات ما قبل الحرب، تناقلت وسائل إعلام النظام خبر تأسيس ما سُمي بأول بنك وراثي للمزروعات بسوريا، في منطقة جوسية الخراب على الحدود السورية اللبنانية، توازياً مع البدء في مشروع سد زيتا غرب مدينة القصير.

وزعمت وسائل الإعلام حينها أن الهدف من إنشائه، البحث العلمي والتطوير الزراعي لسلالات نادرة من المزروعات، ليتضح أن الهدف الخفي هو التنقيب عن الآثار في منطقة جوسية الخراب التي تكتسب أهمية تاريخية، إلى جانب حفر أنفاق مرور لحزب الله، إضافة لقطع عروق المياه الجوفية للمنطقة الزراعية غرب القصير–بحسب ناشطين -.

مع بداية عمل المشروع زار المنطقة "ذو الهمة شاليش" و"جميل الأسد" بين عامي 1990 و1992 وفق ما يروي أبناء المنطقة. وتكررت زياراتهما للمنطقة المعروفة بوجود آثار مهمة وقديمة جداً، حتى أن هذه الآثار-وفق مصدر مطلع- لا تحتاج للتنقيب، فالأحجار متناثرة على الأرض، وهناك آبار مياه تعود للعصر الروماني وجدران هذه الآبار مغطاة بحجارة منقوشة من العهد الروماني وهناك عدة أقواس رومانية كلها تم تفكيكها من قبل أشخاص يعملون لدى شاليش.

وروى الناشط "محمد القصيراوي"-اسم مستعار- لـ"اقتصاد" أن عمل بعض موظفي البنك الوراثي المسمى أيضاً بـ"مشروع البركة" كان يقتصر على نقل بعض التماثيل التي يُعثر عليها إضافة لأحجار كريمة يعتقد أنهم عثروا عليها في المعبد هناك.

وتابع الناشط نقلاً عن أحد المهندسين الذين عملوا في المشروع أنهم كانوا يسألون "أين تذهب القطع الأثرية؟"، وكان الجواب أنها ستودع في المتحف الوطني بمدينة حمص، وأردف أنه لم يشاهد خلال زياراته المتكررة إلى المتحف أياً من تلك القطع ولا حتى من منطقة "جوسية الخراب" بشكل عام.

وكانت عمليات التنقيب-وفق قوله- تتم بحجة استصلاح الأراضي، لأن أراضي المنطقة صخرية وعُثر أثناء التنقيب على معاصر للزيتون تعود إلى عهد مملكة تدمر وكتابات تدل على أن المنطقة في زمن ما أيضاً خضعت لحكم الأباطرة وهم سلالة عربية استقلت في مدينة بعلبك وشكلوا دولة.


لم يكن مشروع البنك الوراثي الموهوم مرتعاً لنهب الآثار فحسب بل كان سبباً في تدمير المنطقة الزراعية الممتدة من جنوب مدينة القصير وصولاً للحدود اللبنانية المحاذية للمشروع (معبر جوسية) بعد أن تم حفر حوالي ٥٠ بئر ماء بعمق ٤٠٠ متر للوصول إلى المياه الجوفية، مما أثّر –بحسب المصدر- على آبار الفلاحين في تلك المنطقة، وكانت تلك الآبار–كما يقول-سبباً في جفاف كل من "نبع الحارون" و"نبع عين الساخنة" وهما مشهوران في الموروث الشعبي لأبناء تلك المنطقة.

ولفت محدثنا إلى أن وفداً إيطالياً زار المنطقة عام ٢٠٠١ وأكد أن تلك الآبار هي السبب في جفاف تلك الينابيع وجفاف الآبار الخاصة بالفلاحين أيضاً، وأردف محدثنا أن المشروع المذكور كان جزءاً من مؤامرة واضحة المعالم على منطقة القصير، ومما يؤسف له أن بعض أبناء القصير المتنفّذين كانوا شركاء للنظام في تلك الجرائم بحق أهالي المنطقة وطبيعتها الجغرافية، ومنهم -حسب قوله– أمين فرع الحزب بحمص "ابراهيم الجاعور" الذي قال على الملأ "إذا كان مشروع بركة سيقطع عين الساخنة فلتقطع فالقصير يكفيها نهر العاصي".

وروى محدثنا أنه زار مشروع البنك الوراثي مراراً ولاحظ بأم عينيه غياب الموظفين والمهندسين وحالات التسرب والفوضى فيه، مضيفاً أنه سجل عن طريق أحد المهندسين في المشروع حالات سرقة لمعدات ومنها سرقة "بنس حفارة آبار" رأسه من الألماس مخصص لحفر الآبار الجوفية، وكان ثمنه قبل الثورة يقدّر بملايين الليرات السورية ومع ذلك سُجّلت القضية ضد مجهول.

كان الهدف المعلن من المشروع هو تطوير البذار وسلالات القمح السورية وبعض السلالات من الخيل العربية والعنز الشامي. لكن على أرض الواقع كان مدير المشروع-المهندس "هواش جروس" أحد أبناء القصير- يقول لمراقب العمال والمسؤول عن نقلهم ويُدعى "عبد الكريم الزهوري"، "أريد عمالاً"، فيقوم الزهوري بإبلاغ بعض أقاربه ومعارفه لينضموا إلى العمل في المشروع، وفي صباح اليوم التالي يتم نقلهم (بالتريلة) التي يجرها جرار زراعي من مدينة القصير إلى مشروع جوسية دون أي عقود عمل أو شيء من هذا القبيل.

وفيما بعد أي في العام ٢٠٠٥ أصبح العمل في المشروع يحتاج إلى عقد عمل نظامي من مديرية الزراعة.

وعلى مدار فصل الصيف كان العمال يزرعون الخضار التي يحتاجها المسؤولون في المشروع في التموين كالباذنجان والبندورة ...إلخ، ولفت محدثنا إلى أن إدارة المشروع المذكور كانت تخصص مساحات لزراعات القمح وغيره وتضع عليها عناية مشددة للتمويه وتحسباً لأي بعثة تفتيش تباغت المشروع.

وأكد الناشط "القصيراوي" أن أبناء البلدات والقرى الموالية للنظام في ريف القصير كانوا أكبر المستفيدين من المشروع الوهمي، فهو يمثل مصدر رزق لهم وهم من يتحكمون به من أصغر موظف وحتى المدير منوّهاً إلى أن جلّ العمال كانوا يعملون بعقود وهمية وبعضهم لم ير المشروع طوال حياتهم، ومن المستفيدين أيضاً شبيحة آل الاسد حيث كان المشروع طريقاً حصرياً لهم لكون المنطقة مشهورة بالتهريب وكان طريق جوسية الخراب الذي يمر بالمشروع حكراً على هؤلاء الشبيحة ومخابرات النظام وحزب الله.

ترك تعليق

التعليق