اقتصاديات.. إلى أين تمضي رحلة ارتفاع الدولار في سوريا؟


منذ أكثر من شهر ونحن نقرأ التحليلات عن أسباب ارتفاع الدولار في السوق السورية، بنسبة أكثر من 20 بالمئة، خلال بضعة أشهر، لكن هذه التحليلات لا تخبرنا على الأغلب، عند أي حد يمكن أن تتوقف رحلة الصعود هذه، وإنما تتحدث عن ضرورة أن يكون هناك تحركات يقوم بها المركزي، تحد من جموح الدولار قبل أن تصبح الليرة في الحضيض.

الاعتماد على المركزي لوحده في إدارة شؤون الليرة، يعبر عن إفلاس حقيقي في القدرة على التصرف، لأنه بكل بساطة قد يقول أنه ليس لديه كمية كافية من الدولار التي تسمح له بالتدخل وقلب الأسواق لصالح الليرة.. وهو ما يؤكده صمت المركزي، إزاء كل من يطالبونه بالتحرك.

إذاً نحن اليوم أمام سؤال حقيقي: هل الدولار مرشح لأن يصل إلى ألف ليرة سورية، كما يرى البعض..؟!

من المؤكد أن الاقتصاد السوري فاقد القدرة على فعل أي شيء لوقف تدهور الليرة السورية، في ظل ارتفاع فاتورة الإستيراد لمواد أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، كالمحروقات والقمح على سبيل المثال، بينما من جهة ثانية فإن ظروف الانتاج لاتزال متدهورة وغير قادرة على توفير دولار بديل مما يتم استنزافه، وهذا يعني في المجمل أن الدولار اليوم لا يتحكم به المضاربون، كما يدعي محللو النظام الاقتصاديون، وإنما الظروف الاقتصادية الحقيقية التي تشير إلى أن الليرة معرضة بالفعل لهبوط مدوٍ، خلال الأشهر القادمة.

هذا الهبوط لا يمكن أن يواجهه المركزي سوى بإجراء وحيد، وهو سحب كميات كبيرة من الليرة من الأسواق، في خطوة تهدف إلى زيادة الطلب عليها، وإفقاد قدرة المضاربين على التحكم بها، لكن ذلك يقتضي أيضاً ضرورة ضغط الإنفاق الحكومي إلى حدوده الدنيا، وتوجيهه نحو سوق السلع فقط.. وليس نحو مشاريع البناء والبنية التحتية أو سوق الكماليات.. إلا أن النظام لا يريد القيام بهذا الإجراء، لأنه سيضر بمصالح رؤوس الأموال الكبيرة والتجار والمنتفعين حوله، ويجعلهم يفرطون بالدولار الذي بحوزتهم.. لذلك عندما قام أديب ميالة حاكم المصرف المركزي الأسبق بهذا الإجراء، تمت الإطاحة به، وهو الذي حدد في نهاية عهده، سقوفاً لقيم السحب المسموح بها من الليرة السورية، أدت على الفور لوقف تدهور الليرة السورية قبل أكثر من سنتين.

النظام على ما يبدو أنه غير منزعج من تدهور الليرة السورية، بدليل أن دولار الاستيراد في المصرف المركزي، لا يزال عند 436 ليرة، بفارق نحو 100 ليرة عن السوق السوداء، التي وصل سعر الدولار فيها إلى أكثر من 520 ليرة.

أي بلغة بسيطة، فإن المستورد أو التاجر اليوم، هو من يجني أرباح هذا الفارق الكبير، وخصوصاً أن المركزي يرفض بشكل قاطع تحريك السعر، ويراهن على أن التراجع مؤقت وسوف تعاود الليرة الارتفاع، دون أن يخبرنا عن مصدر تفاؤله، وبياناته التي يعتمد عليها.
 
ومن جهة أخرى، وما يؤكد أن النظام بات يعمل لمصلحة طبقة بعينها، وهي طبقة رجال الأعمال والمنتفعين حوله، أنه أصدر بالأمس قراراً يسمح فيه باستيراد الغاز من الدول المجاورة، عبر غرف الصناعة، بحجة عدم وقف الإنتاج.. وهو قرار، بحسب الكثير من المراقبين، سوف يؤدي إلى فقدان الليرة للمزيد من قيمتها.

إذاً، وكما يبدو، فإن الليرة السورية، ماضية إلى حتفها، بمساعٍ من النظام ذاته، الذي لم يعد يعنيه، سوى خدمة الفئة التي تزيد من إحكام قبضته القوية على الشعب السوري، عبر التحكم بلقمة عيشه، وجعله يسعى طوال اليوم من أجل الحصول على أبسط حاجاته المعاشية.. أما الليرة، فلتذهب إلى الجحيم..!


ترك تعليق

التعليق