في ضوء حياديّة النظام: معركة الدولار بين التاجر والمستهلك


ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي وانخفاض قيمة الليرة السورية يُعدّ حديث السوريين الأبرز في حلقاتهم الاجتماعية والأماكن العامة لاسيما المُستهلكين المكتوين بتذبذب أسعار الصرف وجنون أسعار المواد الأساسية وتحكّم التجّار برقبتهم وتفاصيل معيشتهم وسط ترقّبٍ مُخيفٍ لتطوراتٍ قد تكون أكثر سلبية.

استمر ارتفاع سعر الصرف خلال الأيام القليلة الماضية وصولاً إلى 539 ليرة سورية للدولار الواحد (تراجع في اليومين الأخيرين بضع ليرات) وذلك بعد أن استقر لحوالي العام مُلازماً لـ 450 ليرة سورية، وخلّف كما العادة انعكاسات قديمة مُتجدّدة يتأثّر بها المستهلك سلباً والتاجر إيجاباً، ويبلغ سعر صرف الدولار بموجب نشرة المصرف المركزي الرسمية 435 ليرة فقط.
   
"العقوبات الاقتصادية، المضاربات، الشائعات، عملاء الداخل، استمرار الترقب للتطورات العسكرية والسياسية الأخيرة في إدلب ومنطقة شرق الفرات، انتشار مراكز الصرافة في السوق السوداء، استمرار الطلب على القطع الأجنبي في المناطق الخارجة عن السيطرة".. يراها باحثون اقتصاديون مستقلّون وموالون لنظام الأسد على أنّها الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة الليرة السورية، بينما رفعت مراكز دراسات موالية سقف حريتها مُحمّلة الدوائر الاقتصادية الرسمية كامل المسؤولية بسبب فشلها بالسيطرة على العرض والطلب من خلال المصرف المركزي إضافةً لضعفٍ كبيرٍ في الاستراتيجيات الاقتصادية المُطبّقة منذ عشرة أعوام والتي تعتمد على "الآنية" و"المرحلية" وتفتقد للدراسة بشكلٍ جدّي وتترك انعكاسات لا تُحمد عُقباها وهذا ما يحصل الآن، ناهيك عن تحفيز الدوائر الرسمية للاستيراد الذي يتطلّب القطع الأجنبي فضلاً عن فقدان دعم الإنتاج المحلي وفي مقدّمته، الزراعي منه.

وسائل إعلام نظام الأسد تتناول موضوع انخفاض قيمة الليرة السورية بالازدواجية بين تحميل الأسباب للأحوال الجوّية ولمديرية الجمارك لتقصيرها في الحد من دخول وخروج البضائع بطرق غير قانونية، وبين الترويج ببدء وضع خطّة التصدي "خلية الأزمة" لإعادة الأسعار في أقلّ تقديرٍ لما كانت عليه قبل ستّة شهور، مُحترفةً تقديم الوعود الخلّبية التي ما عادت تنطلي على المستهلك الذي لا يكترث سوى لكيفية تأمين قوت يومه وأجار منزله البالغ أكثر من نصف مرتّبه الشهري، ويرى دوائر النظام تقف دور المتفرّج فقط وتتخذ موقف الحياد بينه وبين التاجر والمّضارب المُستفيد من ظروف تذبذب العملات صعوداً وهبوطاً، كما لا يُعفيها من المسؤولية المُطلقة في التقصير بصناعة القرار اللازم والاستفادة من التجارب السابقة ويظهر ذلك جلّياً في تخبّطها المستمر وعدم استماعها للنقد.

تجّار السوق كما العادة منذ ثماني سنوات يُبادرون في استثمار الفوضى الاقتصادية لتحصيل غنيمتهم وكسب أرباح مُضاعفة، فيقومون برفع أسعار بضائعهم القديمة المُخزّنة في مستودعاتهم، وبفاعليتهم في فرض سطوتهم، فقد تجاوز سعر الكيلو الواحد من الأرز والبطاطا والبندورة 500 ليرة، والسمنة 700 ليرة، وليتر الزيت الأبيض 500 ليرة، والحلويات الشعبية "عوامة وأصابع ومشبك" 800 ليرة مُتجاوزين وعودهم المعسولة بالمشاركة مع نظامهم في التخفيف من حدّة الأزمة، وبلا حسيبٍ أو رقيبٍ مُحافظين على شعارهم "مصيبة المستهلك عند التاجر فائدة".

وكإحدى انعكاسات ارتفاع سعر الدولار فقد ارتفع سعر غرام الذهب عيار 21 إلى 19200 ليرة بعد أن كان سعره في الشهر الماضي 17500 ليرة يرافقه حالة جمود في عمليات البيع والشراء تخوفاً من المجهول القادم والذي قد يطرأ مُصطحباً معه مفاجآت سلبية أو ايجابيةً، علماً أنّ الذهب منذ سنوات بعيد جداً عن متناول المستهلك البسيط.

الارتفاع المُهلك لأسعار المواد المعيشية الرئيسية الذي يترافق مع ارتفاع سعر صرف الدولار هو أكثر ما يُوجع السوريين، ورُبما تتجاوز همومهم أزمات الغاز الخانقة وغيرها من المواد "نادرة الوجود" التي تحلّ مكانها مواد مُنتهية الصلاحية، خاصّة مع تدنّي القدرة الشرائية إلى ما دون 50%، واتخاذ الدوائر الرسمية  "وضعيّة المزهرية" شعاراً لها في كلّ أزمةٍ يتجاوز حلّها إمكانياتهم.

ترك تعليق

التعليق