درعا.. تعيش بالدين


لم يعد الستيني "أبو قاسم" قادراً على تأمين احتياجات زبائنه من المواد الاستهلاكية، التي اعتاد أن يبيعها في محله الصغير.

ويقول الرجل وهو صاحب محل سمانة، إن محله التجاري كان إلى وقت قريب مليئاً بالبضائع المختلفة، لكنه الآن أصبح شبه خاوٍ لعدم قدرته على استجرار بضائع جديدة؛ بسبب عجز زبائنه عن سداد الديون الشهرية المتراكمة عليهم لضيق ذات اليد.

وأضاف أن معظم زبائنه يستدينون احتياجاتهم من محله حتى نهاية الشهر، لكن تراكمات الكسر المتلاحقة، وعدم قدرتهم على السداد في الوقت المحدد؛ تسببت له بفقدان رأسماله المقدر بنحو 3 مليون ليرة سورية، وبجزء كبير من أرباحه.

ويقول أبو قاسم: "إن الأوضاع المادية لمعظم الناس سيئة جداً، فلا يوجد هناك مصادر دخل ثابتة، كما لم تعد المحاصيل الزراعية ولا الأعمال الموسمية، قادرة بنتاجها على تلبية احتياجات الناس. فكل شيء غالٍ، والمداخيل الموجودة لا تتناسب مع حجم الإنفاق".

وأضاف أن معظم زبائنه من المزارعين، والموظفين، والمنشقين، وجلهم من ذوي المداخيل المتدنية، لذلك يلجأ الكثير منهم إلى الاستدانة حتى نهاية الشهر، لافتاً إلى أن أقل أسرة من زبائنه تحتاج يومياً إلى ما يقارب 1000 ليرة سورية، ثمن مواد أساسية (خبز ولبن وسكر وشاي ومنظفات) وكلها تسحب من محله.

وقال: "المدين يسد أحياناً نصف المبلغ المترتب عليه، ويبقي النصف الآخر لنهاية الشهر الذي يليه، على أمل أن يصله مبلغ ما كمساعدة، لكنه في الغالب يبقى كسراً تراكمياً ويصبح الزبون عاجزاً عن السداد".

وأردف: "لا أنكر أن هناك زبائن ملتزمون بالسداد الشهري، لكنهم قلة قليلة، وهؤلاء غالباً ما يكون لهم أقارب خارج سوريا، أو أبناء أو بنات يحولون لهم مبالغ مالية شهرية منتظمة. نعم يتأخر وصولها، لكنها في النهاية تصل ويتم السداد".

ويقول حسين منير، 42 عاماً، وهو موظف يتقاضى نحو 35 ألف ليرة سورية كراتب شهري، "الراتب بالكاد يكفي أسبوعاً وأنا مضطر للاستدانة حتى نهاية الشهر"، موضحاً أنه يستدين شهرياً ما يساوي حجم راتبه، أو أكثر قليلاً، ليستطيع العيش في حدود المعيشة الدنيا، مردداً المثل القائل "صبرك على نفسك ولا صبر الناس عليك".

وأضاف أن احتياجات أسرته المكونة من خمسة أفراد، أكبر من حجم دخله بأضعاف، لكنه أوضح انه يستدين فقط مبلغاً يساوي حجم الحوالة الشهرية، التي يرسلها له أخوه المغترب والبالغة قيمتها 100 دولار في أحسن الأحوال.

نزار النايف وهو خريج كلية الاقتصاد، وصاحب محل موبايلات، أكد أن غالبية الناس في القرى والبلدات تعيش بالدين، مشيراً إلى أن معظم المحلات مضطرة للبيع بالدين؛ خوفاً من أن تكسد البضائع، وخاصة تلك البضائع القابلة للفساد.

وقال: "ليس لكل الناس مصادر دخل ثابتة، فهناك من يعيش على مساعدات الأقارب، وهذه المساعدات غالباً ما تتأخر بالوصول لسبب أو لآخر، بسبب الظروف التي تعيشها البلاد"، لافتاً إلى أن معظم أصحاب الفعاليات المقتدرون، يضطرون للبيع بالدين من باب مساعدة الناس، على أمل أن تتحسن الظروف ويستوفوا ديونهم.

وأشار إلى أن أقل أسرة تحتاج وفق آخر الدراسات إلى نحو 150 ألف ليرة سورية؛ لتعيش في حدود العيش الدنيا، متسائلاً "من أين لهذه الأسر المنكوبة في كل شيء أن تؤمن هذا المبلغ الكبير؟".

من جهته أكد "أبو نضال"، 50 عاماً، وهو ضابط منشق، أنه أصبح يخجل من مطالبات الدائنين المتكررة له، لافتاً إلى أنه استجر مواد استهلاكية من بعض المحال التجارية، ومبالغ مالية من أصدقاء، لكنه عجز عن السداد بعد أن فقد عمله كمقاتل في الجيش الحر سابقاً.

وأضاف أن الكثير من الأنشطة التجارية، شبه متوقفة في مناطق درعا؛ لعدم وجود سيولة مع الناس، موضحاً أنه عرض قطعة أرض للبيع ليسدد بثمنها ديونه، لكن لم يدفع له التجار أكثر من 400 ألف ليرة سورية للدونم الواحد، في الوقت الذي يصل فيه سعر الدونم في منطقته إلى أكثر من مليون ليرة سورية.

وأشار إلى أن حركة نشطة شهدتها أسواق العقارات في المحافظة قبل عدة أشهر، لكن هذه الحركة تراجعت بعد سيطرة قوات النظام على محافظتي درعا والقنيطرة، وقيام سلطات النظام بمصادرة أملاك بعض الثوار، والعاملين في المنظمات الدولية، الأمر الذي تسبب بتوقف عمليات البيع والشراء وتراجعها بشكل ملحوظ.

يشار إلى أن محافظة درعا بجميع مناطقها، تشهد حالة من الركود الاقتصادي رغم تحسن الظروف الأمنية، بانتظار ما ستسفر عنه الأسابيع القادمة؛ لجهة الواقع الأمني الجديد، الذي أصبح يشكل هاجساً كبيراً لعامة الناس في ظل تزايد النقمة على قوات النظام؛ نتيجة ممارساتها في التضييق على الأهالي، وتنصلها من وعودها التي قامت على أساسها التسويات والمصالحات الأخيرة.


ترك تعليق

التعليق