قراءات في اتفاقيات الأسد – إيران الاقتصادية


"اتفاقية التعاون الاقتصادي طويل الأمد مع إيران هي محطة تاريخية".. بهذه الكلمات وصف رئيس الوزراء في حكومة نظام الأسد "عماد خميس" الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها مع الجانب الإيراني ممثلًا بالنائب الأول للرئيس الإيراني "اسحاق جهانغيري"، مؤخراً.

وبحسب وسائل إعلام موالية للنظام وإيران، فقد تم توقيع "11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجاً تنفيذياً، لتعزيز التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان.."، إلى جانب مذكرات تفاهم في القطاع المصرفي وقطاعات الطاقة.

سوريا سوق صغير أمام السلع الإيرانية

وتطرح تلك الاتفاقيات التي توصف بأنها "طويلة الأمد" بين نظام الأسد وإيران، العديد من التساؤلات، خاصة حول الأهداف التي يسعى لها كلا الطرفين في هذا الوقت بالذات، على الرغم من أن النظامين يعانيان من ظروف اقتصادية متردية.

 وعن رأيه في ذلك، يرى "سمير سعيفان"، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن أهمية سوريا بالنسبة لإيران سياسية أكثر منها اقتصادية، وعلى الرغم من أن إيران تدرك أن سوريا عبء اقتصادي أكثر مما هي مكسب، فسوريا المدمرة تحتاج مئات مليارات الدولارات لإعادة بنائها، إلا أنها مهتمة بهذا الجزء لأكثر من سبب، ومنها أنها تريد فتح سوق ولو صغيرة أمام السلع الإيرانية لتكون بمثابة مكسب صغير يفرح قطاع الأعمال الإيراني من جهة وتستعمله سلطة الولي الفقيه دعائياً أمام الشعب الإيراني المفقر بأن إيران تحقق مكاسب، وبذات الوقت فإن زيادة الوجود الاقتصادي الإيراني يدعم سعي إيران لتعزيز نفوذها السياسي وتأثيرها على المجتمع السوري ذاته وخاصة باتجاه توسيع "التشيّع".

صراع روسي إيراني على الثروات في سوريا

 ويرى "سعيفان" في سياق حديثه لموقع "اقتصاد"، أن سوريا تهم إيران كثيراً لتكون معبراً مستقبلياً لتصدير النفط والغاز من خلال أنابيب تمر عبر العراق إلى بانياس السورية، ولكنها لن تقدم على تنفيذ مثل هذا المشروع حتى الآن في ظروف سوريا غير المستقرة، فهو أمر مكلف جداً، ولا يُنفذ إلا بعد خروج الأمريكان وعودة الاستقرار والسيطرة السياسية الكاملة على سوريا وما زال هذا بعيداً، وقبل ذلك يتطلب الأمر رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية على سوريا وعلى إيران ذاتها، فلا قيمة لأنابيب تصدير يمنع استعمالها.

 وذكر "سعيفان" أن إيران سعت لاستعمال نفوذها المتزايد على النظام السوري لأخذ امتياز استثمار حقول الفوسفات في "خنيفيس" الواقعة بين حمص وتدمر، مشيراً إلى أن "الفوسفات" يهمها لأنه مربح من جهة ومن جهة أخرى هو مصدر مادة "اليورانيوم" التي تحتاجها إيران من أجل تطوير أسلحتها النووية، ولكن الروس فازوا بالصراع عليها وأخذوا امتيازها، وربما كان هناك فيتو إسرائيلي أمريكي أرسل للروس بعدم جواز سيطرة إيران على حقول الفوسفات.

ويرى "سعيفان" أن إيران منهكة اقتصادياً، وتزيد العقوبات الأمريكية المفروضة عليها أزمتها حدة مما يضعف قدرتها على المساهمة في أي إعادة إعمار وتنمية اقتصادية في سوريا.

مساعي إيران سياسية بامتياز

النقيب "رشيد حوراني" الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام قال لموقع "اقتصاد"، إن الأهداف التي ترمي إيران إلى تحقيقها هي "سياسية" بامتياز خاصة إذا ما قورنت بالتوقيت الذي أبرمت فيه هذه الاتفاقيات، وهو توقيت يزداد فيه الحشد الدولي ضدها في سوريا، لذا تعمل إيران على تقوية موقفها ووضعها في سوريا لاستخدامه كورقة في ملفاتها التفاوضية في مسائل أخرى.

وفي ردّ منه على سؤال فيما إذا كانت تلك الاتفاقيات ثمن يدفعه النظام لقاء حماية إيران له قال "حوراني": "إن الاقتتال بين وحدات النظام والميليشيات الطائفية الذي يطفو على السطح من وقت لآخر وخاصة ما جرى مؤخراً من طرد عناصر النظام من البوكمال في دير الزور، هو رسالة واضحة أننا نحن من يضع وينفذ الخطط".

وحول انعكاس تلك الاتفاقيات على المواطن السوري في ظل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها سوريا، يرى "حوراني" أن الانعكاسات قد تظهر على المدى القريب أو على المدى البعيد، فمثلاً استعمال المزارعين لأسمدة "اليوريا" المستوردة من إيران بسبب توقف معمل السماد الوحيد في سوريا الموجود في مدينة حمص، دفع الكثير من المزارعين لترك العمل بالزراعة بسبب غلاء ثمنه، لهذا نرى النظام يستورد بعض أصناف الخضار والحبوب.

وعن موقف الشعب السوري عموماً من تلك الاتفاقيات قال "حوراني": " رغم أن السوريين باتوا خارج معادلة التأثير إلا أن هناك أصواتاً ارتفعت مؤخراً من عقر دار النظام، مطالبة إياه بتوفير المواد الأساسية من غاز ووقود تدفئة وغيرها من المواد الأخرى، وهذه الاتفاقيات ستترك آثارها السلبية أكثر على وضع السوريين المعيشي. أما النظام فهو يقوم بعملية بازار ومساومة بينه وبين حلفائه من الروس والايرانيين".

الكعكة السورية بين فكي إيران وروسيا

الكاتب والمحلل السياسي "أحمد مظهر سعدو"، أشار إلى أن المصالح الروسية التي تم تتويجها باتفاق كبير مع النظام السوري ولمدة 49 عاماً، دفعت الإيرانيين الى الهرولة نحو عقد اتفاقات متعددة حصولاً على بعض الكعكة التي وجدتها تكاد تهرب منها، بينما هي (الأصل والأساس)، علاوة على أن الإيرانيين يعيشون ظروفاً اقتصادية اليوم هي الأسوأ في تاريخ إيران، كما ويواجه النظام الإيراني حالة نفور وهيجان كبيرة في الشارع الإيراني تعبيراً عن رفضٍ لصرف الأموال التي تهدر في سوريا واليمن ولبنان.

ولفت "مظهر سعدو" في سياق حديثه لموقع "اقتصاد" الانتباه، إلى أن نظام الأسد مهما كان قادراً اليوم على تدعيم النفوذ الإيراني عبر الاتفاقيات، إلا أن ذلك سيكون مؤقتاً، فالاقتصاد السوري المنهار اليوم لن ينتج الا انهيارات أكثر وأكبر، وسيتكئ هذان الاقتصادان المهترئان على بعضهما لتكون النتيجة مزيداً من الانهيار في العملة لكليهما، وأيضاً في التجارة والصناعة، في جو من الحصار والعقوبات المفروضة على الطرفين.

ترك تعليق

التعليق