"أرامل الثورة السورية" في درعا.. صراع من أجل البقاء


لم تجد "أم أحمد"، وعلى غير العادة منذ ستة أعوام، ما تتدفأ به هذا الشتاء سوى بعض الأسمال البالية، وأعواد الحطب الصغيرة، والعلب البلاستيكية الفارغة، التي جمعتها أسرتها الصغيرة من الشوارع ومكبات القمامة القريبة من سكنها.

وتقول الأرملة الأربعينية، إن إمكانياتها المادية المتواضعة، لم تمكنها هذا الشتاء من شراء احتياجاتها من الحطب، فلا نقود لديها، ولا يوجد منظمات أو جمعيات خيرية محلية ناشطة، تتكفل تأمين احتياجاتها كما كان في السابق.

وأضافت أنها كانت تحصل على بعض المساعدات المادية والعينية، من إحدى المنظمات العاملة في منطقتها في ريف درعا الأوسط، لكنها بعد سيطرة النظام على المحافظة، وهروب العاملين في تلك المنظمات، لم يعد أحد يقدم لها شيئاً.

وتشير "أم أحمد"، وهي أم لأربعة أطفال أكبرهم 11 عاماً، إلى أنها كانت تعمل في الأعمال الزراعية خلال المواسم، وكانت تؤمن من عملها بعضاً من احتياجاتها الضرورية، لكن إصابتها بشظية طائشة في المعارك الأخيرة التي شهدتها المحافظة؛ تسببت لها بإعاقة دائمة في يدها اليمنى، أصبحت معها غير قادرة على ممارسة أي عمل أو نشاط مدر للدخل.

وتشكو "أم أحمد" كما غيرها العشرات من النساء في منطقتها؛ ممن فقدن أزواجهن في المعارك أو في معتقلات النظام، من سوء الأحوال المادية والاقتصادية، وعدم وجود من يهتم بأوضاعهن لا من قبل مؤسسات النظام، ولا من الجمعيات الخيرية، التي باتت غائبة عن المشهد الإنساني الداعم في معظم مناطق المحافظة؛ بسبب القيود الكبيرة التي فُرضت على نشاطاتها.

ولفتت إلى أن حياة الأرامل، التي يقدر عددهن بالمئات في المحافظة باتت شديدة الصعوبة، في ظل غياب المعيل ومصادر الدخل، وأن أطفالهن، أصبحوا عرضة للضياع في مسعاهم للبحث عن عمل يسد احتياجات أسرهم.

وتقول "فريال" ذات السبع والعشرين ربيعاً، "تحولت حياتي إلى مأساة حقيقية، وباتت تسيطر علي كوابيس كثيرة، فأنا من ريف دمشق، تزوجت من زوجي المقاتل في الجيش الحر؛ رغماً عن أهلي قبل نحو أربعة أعوام".

وأضافت أنها أنجبت منه طفلين قبل أن يستشهد في معارك درعا البلد، وهما يحتاجان إلى مبالغ مالية كبيرة للإنفاق عليهما.

ولفتت إلى أنها أصبحت عاجزة عن تدبير أمورها المعيشية، بعد التسويات الأخيرة في المحافظة، وانقطاع راتب زوجها، الذي كانت تحصل عليه والذي كان يقدر بنحو 100 دولار أمريكي.

ودعت أصحاب الأيادي البيضاء والجهات المعنية في المحافظة، إلى النظر بوضع الأرامل والأيتام، والعمل على تأمين ما يسهم في مساعدتهم على العيش الكريم، من خلال تقديم مساعدات عينية ومالية أو إقامة دورات مهنية؛ تساعد الأمهات الأرامل على إيجاد مصادر دخل ثابتة.

من جهتها أكدت ميساء سالم، وهي أرملة وأم لأربعة أطفال، أنها استطاعت من خلال عملها كخياطة، أن تتحمل مسؤوليات الإنفاق على أسرتها، لافتة إلى أنها تقوم بخياطة بعض القطع لأحد المشاغل، إضافة إلى أنها تقوم بإصلاح الملابس لسكان حيها، مقابل أجور محددة، ما أسهم في تأمين دخل مقبول لها استطاعت من خلاله الإنفاق على أسرتها.

وأضافت أن دخلها الشهري يتراوح ما بين 30 و35 ألف ليرة سورية، وأحياناً أكثر بقليل، لكنها أردفت أن دخلها هذا لا يكفي؛ لتأمين متطلبات أسرتها في ظل الغلاء الكبير، الذي تشهده الأسواق، والاحتياجات المتنامية لأطفالها.

وأشارت إلى أنها بحاجة دائمة لدخل إضافي، ومساعدات داعمة، وخاصة خلال فصل الشتاء وافتتاح المدارس؛ لتتمكن من العيش بكرامة، وهو ما يقدمه أقارب زوجها، وبعض المطلعين على أوضاعها المعيشية.

فيما رفض اليافع خالد الحسن، 15 عاماً، أن تعمل والدته الأرملة في أي مجال، لافتاً إلى أنه رغم حداثة سنه سيتحمل مسؤولية الإنفاق على أسرته، المكونة من أم وطفلتين عمريهما 11 و9 أعوام.

وأضاف أنه ترك المدرسة منذ عامين؛ بسبب إغلاق المدارس في منطقته نتيجة الأوضاع الميدانية آنذاك، وأنه يعمل في ورشة كهرباء سيارات لدى أحد أقاربه، موضحاً أن دخله الشهري البالغ نحو عشرين ألفاً مع إكراميات الزبائن، بالإضافة إلى أجرة محل تجاري ورثته الأسرة عن جده لأبيه، يؤمنان لأسرته حياة مستورة نوعاً ما.

وحول مستقبله الدراسي، أشار إلى أنه يتمنى أن يكون على مقاعد الدراسة إلى جانب رفاقه, لكنه لا يستطيع ترك أمه وإخوته بلا مصدر دخل.

وأضاف أنه بعد هذا الانقطاع الطويل عن المدرسة، سيحاول العام القادم إن تحسنت الظروف، الانتساب لدورات تقوية، وتقديم امتحانات شهادة التعليم الأساسي، لتحقيق حلم أمه في أن يصبح مهنياً متعلماً، من خلال التسجيل في إحدى المهن الصناعية.

يشار إلى أن عشرات الأرامل ونظراً لأوضاعهن الاقتصادية السيئة، كن يحصلن على مساعدات مالية وعينية، من المنظمات الإنسانية التي نشطت في مناطق درعا المختلفة، ومنهن من كان  يعمل في بعض المؤسسات الثورية، مقابل رواتب جيدة حمتهن من الفقر والعوز، لكن مع دخول النظام تلاشت هذه الامتيازات وأصبحت تلك النسوة في مهب الريح، وتحت رحمة مؤسسات النظام، التي مازالت عاجزة عن تقديم أية خدمات ملحوظة.

ترك تعليق

التعليق