دمشق الفقيرة.. المثيرة للذعر


هل حقاً أضحت دمشق مدينة غير آمنة، وباتت الجريمة سهلة الوقوع في مدينة كانت مثار إعجاب أهلها قبل زوارها حيث كان باستطاعتهم قبل سنوات قليلة أن يخرجوا ويعودوا دون خشية من لص أو قاتل؟

الغرباء أولاً

تغيرت ملامح الناس والمدينة لم تتغير كثيراً كما يقول "أبو محمد الدمشقي"، الذي يملك محلاً للسمانة في حي (نهر عيشة). فحتى أخلاق الجيران لم تعد كما كانت، حسب وصفه، وأصبحت (الحارة) تعج بالغرباء. "قبل عشر سنوات كنا نعرف جميع السكان وعلى الأقل تبدو أغلب الوجوه مؤلوفة وبشوشة".

"أم ابراهيم" مسنة بنفس الحي، تلطم على وجهها الصغير وتقول: "لم أعد أعرف أحداً في الحي إلا القليل، وأغلب الجيران إما هاجر أو اختفى، وأنا كنت أعيش على مساعدة الجيران وعطفهم، ولكن منذ سنوات قليلة أضطر للخروج من بيتي لأتسول"، تقول ذلك وهي تبكي.

لقد دفعت ظروف الحرب الكثير من سكان العاصمة إما إلى مغادرتها باتجاه مدنهم وقراهم الأصلية أو الهروب خارج البلاد، وفي الوقت نفسه غيرّ النزوح الداخلي نسيج المجتمع القديم، وباتت الأحياء خليطاً من مختلف المدن.

مهنة العاطلين

السرقة واللصوصية باتت (شغلة) العاطلين عن العمل، وهؤلاء من مختلف الأعمار، ومن مختلف المدن، وسرقة البيوت كانت بحسب (توفيق.ع) من الحوادث التي تحدث مرات قليلة في الحي، "ولكن اليوم بتنا نخشى الخروح من بيوتنا للسهر عند الجيران أو الأهل".

المحال التجارية أيضاً تُسرق حتى في النهار، وبهذا الصدد يقول "محمد" صاحب أحد المحال: "كان والدي رحمه الله يضع الكرسي أمام باب المحل ويذهب للصلاة ولا أحد يقترب. هذه الأيام لا يتجرأ احد على فعلها".

لصوص الميدان

دراجات نارية تعبر حي الميدان، وتنشل المحافظ والجوالات من بين أيدي السيدات، وأولاد يهربون بـ "المحافظ" في الأزقة الضيقة، ويومياً تنشر الصحف بطولات الشرطة في القبض على االنشالين واللصوص الذين يسرقون كل ما يقع تحت أيديهم. جوالات واسطوانات غاز و"محافظ" وحتى كالونات المازوت، والشرطة تتهم غرباء ينتمون إلى الريف أو الأحياء البعيدة عن قلب المدينة. بينما يقول الحجي "أحمد": "اللصوص ينامون بيننا".

الفقراء يتكاثرون
 
إحدى الصحفيات المواليات لنظام القتل روت على صفحتها على "فيسبوك" حيث كانت تحضر معرضاً في المركز الثقافي في أبي رمانة، أحد أهم أحياء العاصمة وأغناها، وعند العودة من عند جسر (الرئيس) دخلت بين زحام السرافيس لتستقل الحافلة إلى بيتها فتم نشل هاتفها الخليوي، وعندما ذهبت لقسم الشرطة كانت الإجابة أن اليوم الواحد يشهد سرقة 100 جوال في العاصمة وحدها.

تعلق الصحفية أخيراً أن من يسرق هم الفقراء إذ هم من ينتشرون في هذه الأماكن، وهم من لا يملكون ثمن أجرة الطريق.. أي أن الفقير يسرق الفقير.

وهذه تبدو حجة لا يؤمن بها الكثير من السوريين. يقول "حسن": "طول عمرها الشام مليئة بالفقراء، وهم الأغلبية لكن اللصوص هم من فقراء الأخلاق أو أصحاب أخلاق جديدة".

بطالة بأوجه عدة
 
النظام الذي أسقط البلد وصناعتها ومعاملها، ودفع جموع السوريين إلى الهروب من حربه إلى التجمعات الفقيرة ساهم بنشر المفاسد والفقر، ويقبع أكثر من 85% من السوريين تحت خط الفقر والعوز، وحتى شريحة الموظفين هي من بين هؤلاء حيث لا يتجاوز راتب الموظف من له بالخدمة عشر سنوات 70 دولاراً بالشهر، وبالتالي سيبحث كل هؤلاء عن ما يزيد دخولهم والطريق هو العمل الثاني وهو غير متوفر للجميع والأسهل والوحيد كحل، هي السرقة.

أيضاً هناك شريحة من حملوا السلاح ثم تم الاستغتاء عنهم، عادوا إلى جموع الفقراء واعتادوا القتل والتعفيش والسرقة، ومعهم بقية المشردين والأولاد ممن أنتجتهم ظروف القتل فتحولوا إلى متسولين ولصوص ومتعاطين للمواد المخدرة. وهي شريحة تحتاج إلى المال، ولا تجد عملاً.

مهن جديدة مُشينة انضوت تحت عنوان البطالة، وهي ليست سوى نتاج انهيار الاقتصاد الذي سببته الحرب، وهذا ما خلق مجتمعاً جديداً في العاصمة لم تعتد عليه، حوّلها بسنوات قليلة إلى مدينة خطيرة ومثيرة للذعر.

ترك تعليق

التعليق