هل تساوم أوروبا "قسد" في ملف مقاتلي التنظيم؟


ما زال مصير المقاتلين الأوروبيين في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، محط جدل واسع، تحول إلى انقسام على المستوى الحكومي الأوروبي، بين حكومات تدرس أمر إعادتهم (فرنسا، بريطانيا)، وأخرى ترفض بشدة (ألمانيا، هولندا، الدنمارك) حتى إتاحة العودة أمام الأطفال.

وزادت الدعوة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، للدول الأوروبية بضرورة استعادة مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف تنظيم الدولة، والذين تقدر أعدادهم بنحو 800 مقاتل دون احتساب عائلاتهم، من حدة التباين.

هذا التباين انعكس بشكل واضح في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، حيث فشل الاجتماع في اتخاذ قرار موحد بشأن عودة هؤلاء إلى بلدانهم.

ولم تضف وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل، شيئاً جديداً، حين أكدت، قبل أيام، أن مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي وافق على حق كل دولة أوروبية في اتخاذ قرارها بشأن استقبال مقاتلي التنظيم المحتجزين في سوريا، وذلك لأن تصريحها يؤشر إلى مراوحة الملف في مكانه.

وفي هذا السياق، قلل مدير "منظمة العدالة" الناشطة من مدينة لاهاي الهولندية، الحقوقي قتيبة قطيط، من فرص موافقة البلدان الأوروبية على إعادة مقاتلي التنظيم المحتجزين إلى بلدانهم من سوريا.

الرفض محسوم

وكشف "قطيط" في حديثه لـ"اقتصاد" عن رفض البرلمان الهولندي بشكل قاطع حتى مناقشة إعادة الأطفال والنساء فقط، مشيراً إلى وجود 145 رجل وامرأة وطفل من الجنسية الهولندية، مشدداً على أن قرار الرفض الأوروبي هو قرار محسوم.

وعن الأسباب التي تستدعي ذلك الموقف الأوروبي الموصوف بـ"المتشدد"، جاء قطيط على ذكر عوامل وحسابات عدة، من أبرزها الخوف من التهديد الأمني الذي يشكله عناصر التنظيم وعائلاتهم على المجتمع الأوروبي.

وفي نفس السياق يرى الحقوقي أن البلدان الأوروبية تتخذ تدابير صارمة لمنع وصول العناصر "المتطرفة" إلى أوروبا، مشيراً إلى الإجراءات الأمنية المشددة التي تتبعها الحكومات الأوروبية لدى التعاطي مع اللاجئين لديها، وتحديداً الذين كانت تركيا محط عبورهم نحو أوروبا.

ويستطرد في حديثه ليوضح أن الحكومات الأوروبية غير مهتمة باستعادتهم، بقوله "هم يعتبرون هؤلاء خطر عليهم، ولذلك هم أقفلوا الباب على احتمال عودتهم، وأكثر من ذلك هم يعتبرون ذهابهم إلى سوريا فرصة ذهبية، ولن يفوتوا الفرصة بإعادتهم إليهم مرة أخرى، ليشكلوا خطراً من جديد".

وأبعد من ذلك، اعتبر الحقوقي أن أحد أهم أهداف تقديم أوروبا الدعم لـ"قسد"، هو القضاء على الجهاديين الأوروبيين في صفوف تنظيم "الدولة".

ومستعرضاً سبباً آخر يقف وراء عدم رغبة الدول الأوروبية- أو بعضها- باستعادة رعاياها من الجهاديين، نوه قطيط إلى أن غالبية المقاتلين الأوروبيين المحتجزين هم من أبناء المهاجرين من أصول إفريقية وعربية، وذلك في إشارة إلى ما يمكن وصفه بـ"العنصرية" التي تتعامل بها الحكومات الأوروبية مع هذا الملف.

ورداً على المطالبات بضرورة محاكمة المقاتلين في بلدانهم وإلحاق الأطفال بمراكز لمكافحة "الفكر المتطرف"، قال قطيط "الرؤية الأوروبية، ترى باستحالة إصلاح هؤلاء الذين اعتادوا على الذبح والقتل"، وعلق بالقول "في عالم الجريمة وصل هؤلاء لمرحلة منعدمة".

مساومة "قسد"

وفي السياق ذاته، ألمحت مصادر إلى خشية الدول الأوروبية من وقوع هؤلاء بيد النظام السوري، الذي قد يستخدمهم كورقة ضغط عليها.

وبين الموقف الرافض لعودتهم والخشية من وقوعهم بيد النظام، لم يستبعد الكاتب والمحلل السياسي الكردي زيوار العمر أن تقوم أوروبا بمساومة "قسد" لتجميد هذا الملف.

وأوضح في لقاء إعلامي له، أن الإدارة الذاتية الكردية ستكون بحاجة إلى موارد وإمكانيات كبيرة، كي تحتفظ بهؤلاء لفترات طويلة، معتبراً أن "من حق الإدارة الذاتية التلويح بهذه الورقة، وهي التي تتعرض لتهديدات بالهجوم التركي".

وفي تعليقه على ذلك، استبعد الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، أن تقوم الدول الأوروبية بالتفاوض أو مساومة "قسد" على مصير هؤلاء، لأن قرار "قسد" هو بيد الأمريكان، معتبراً أن حديث ترامب ومطالبته البلدان الأوروبية باستعادة رعاياها من سوريا، يأتي في هذا الإطار.

وقال لـ"اقتصاد": "في حال حصل تفاهم أمريكي- أوروبي على هذا الملف، فإن من الممكن أن يتم تجميده إلى ما لانهاية".

وعن السيناريوهات الأخرى، رجح قضيماتي أن ينتهي مصير المقاتلين بيد النظام، كما فعل الأخير مع الجهاديين الذين أرسلهم إلى العراق.

يُذكر أن مسؤول شؤون العلاقات الخارجية في "قسد"، عبد الكريم عمر، قال إن نحو 800 مقاتل أجنبي محتجزون في السجون، إضافة إلى نحو 700 زوجة و1500 طفل في مخيمات للنازحين. ووصف عمر المعتقلين بأنهم "قنبلة موقوتة"، محذراً من فرارهم، "في حال شُن هجوم على المنطقة التي يحتجزون بها".

ترك تعليق

التعليق