من أين يعيش السوري؟


حكومة النظام تعترف بكل شفافية بأن حاجة الأسرة السورية الشهرية تبلغ 325 ألف ليرة، وهذا في آخر دراسة رسمية صادرة عن المكتب المركزي للاحصاء عن متوسط الإنفاق التقديري للأسرة السورية لعام 2018.

جريدة تشرين التابعة لحكومة النظام نشرت تحقيقاً مطولاً وصفته بأنه يسلط الضوء على حياة المواطن المعيشية، والتقت عدداً من الباحثين الاقتصاديين..

مقدمة في التبريرات

وكعادتهم صغار المسؤولين في نظام الأسد يقولون الحقيقة المرة ويجدون لها المبررات التي ترفع عن كاهل النظام المسؤولية عنها، وهذا ما جاء على لسان مدير إحصاءات التجارة والأسعار في المكتب المركزي للإحصاء الذي قال إن هذه الأرقام لا تعكس الواقع، والسبب: "تغير النمط الاستهلاكي وفق معطيات الحرب الذي أدى إلى ظهور إنفاق بات ضرورياً للأسرة إلى جانب الغذاء كالإيجارات ونفقات النقل والرسوم الجديدة ونفقات التعليم، وتالياً فرض تغيير النمط الاستهلاكي ليتكيف إنفاق الأسرة مع دخلها الذي لم يرتفع بوتيرة ارتفاع الأسعار نفسها".

إذن الحرب هي أول الأسباب وأما عن ارتفاع مؤشر الفقر فلا تقديرات حقيقية للمسوحات والدراسات والسبب أيضاً: "عدم وجود استقرار سكاني في الفترة السابقة، إضافة إلى أنّ تكاليف تنفيذ مسح دخل ونفقات الأسرة مرتفعة وبحاجة إلى دعم حكومي، وأيضاً يحتاج إلى تضافر وتعاون المؤسسات ذات الصلة بالدراسة".

أمن غذائي.. كاذب

يستمر نفس المدير في تدبيج المبررات، وأن الأمن الغذائي بالرغم من تراجعه مقارنة بما قبل الـ 2011، إلا أنه عاد ليتحسن حيث وصلت نسبة المواطنين غير الآمنين اقتصادياً عام 2015 إلى 33%، لتنخفض في 2017 إلى 31.2%.. وبعد أن يتوسع في شرح مفهوم الأمن الغذائي يعود للحديث عن المعرضين لانعدام الأمن الغذائي فنسبتهم في 2015 هي 51% لتنخفض في 2017 إلى 45.5%.. وأما الرقم الذي يبدو منطقياً إلى حد ما فهو أن نسبة الآمنين عام 2015 هي 16% ارتفعت عام 2017 إلى 23.3%.

لكن الحقيقة التي يقولها أي سوري في الداخل أنه يعيش في أدنى ظروف الحياة من حيث كل ما يمكن أن تقدمه (الدولة) من خدمات، وحتى أولئك الذين يتقاضون رواتب شهرية كموظفين أو عاملين في القطاع العام والخاص باتوا تحت خط الفقر، ومن يحصل على 100 ألف ليرة كراتب شهري وهذا هرم الرواتب في الخاص يحتاج إلى ثلاثة أضعافه ليلبي متطلبات أسرته المكونة ما بين 3-5 أفراد.

الفلافل حلم

إحدى من التقتهم الجريدة الحكومية وهي سيدة عندها 7 أطفال تقول: "عائلتي مكونة من سبعة أفراد، ونحتاج مصروفاً في الشهر لا يقل عن 200 ألف ليرة لتأمين الحدود الدنيا، بينما راتبي وزوجي لا يتجاوز70 ألف ليرة".

السيدة افترضت أن أكلها فقط هي وعائلتها سندويش فلافل بشكل يومي هذا يعني أن تكلفة 3 وجبات سندويش تبلغ يومياً 4200 ليرة والشهرية 126 ألف ليرة.

من جانبنا، وفي لقاء مع "اقتصاد"، يقول "راتب" وهو موظف في وزراة الزراعة، إن راتبه الشهري هو 32 ألف ليرة ولديه 9 سنوات خدمة ولديه 3 أولاد، ويعمل في مطعم وسط العاصمة بعد دوامه براتب شهري هو 30 ألف ليرة ومع ذلك يبدأ بالاستدانة في منتصف الشهر، ويأتي بالطعام من محل عمله الثاني.

تحويلات خارجية

أغلب الأسر السورية تواجه مصاعب حياتها في الداخل عبر الحوالات التي تصلهم من الأقارب والأصدقاء خارج البلاد، ومن لديه أخ أو صديق في الخارج من الممكن أن يكون منجداً له بحسب "محمد"، الموظف في جامعة دمشق.

علياء مدرسة تقول لـ "اقتصاد": "نعيش أنا واختي وأمي على حوالة 100 دولار شهرياً يرسلها أخي المقيم في لبنان، بالاضافة إلى راتبي الذي لا يتجاوز 40 ألف ليرة، وبالحد الأدنى من الحياة حيث تؤمن هذه المساعدة ثمن دواء السكري والضغط لوالدتي".

نعمل.. لنسكن

"زهير" يسكن في أشرفية صحنايا، رفض الإعلان عن وظيفته، فهو يتقاضى حوالي 150 ألف ليرة سورية يدفعها كاملة لقاء إيجار منزله المكون من غرفتين وصالة.

زهير في حديث لـ "اقتصاد" تحدث عن معاناته منذ خروجه من منزله في جنوب دمشق حيث اضطر للتنقل في أكثر من منطقة داخل العاصمة، لكنه لم يقدر على دفع الايجار لارتفاعات مخيفة طرأت على ايجارات العقارات، وأما بقية متطلبات الحياة فيؤمنها عن طريق أعمال جانبية في مهنته وبعض المساعدات من أصدقائه.

أصل الحكاية

يروي اقتصاديو النظام أرقاماً وإحصائيات وخططاً يعدونها للانتقال من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد آمن يحقق بعض الحياة الكريمة للناس، فيما على الأرض يبدو الأفق أكثر سوداوية في ظل استنزاف ثروات البلاد من مجموعة تحكم اقتصاداً متهالكاً، وتحاصص دولي على استثمار واستغلال ما بقي من هذه الثروات فيما الإيرانيون والروس والدول الداعمة للنظام ترى أن من حقها أن تنال حصتها بعدما وقفت معه في جريمته.

ترك تعليق

التعليق