هل يُرفع الدعم الرسمي عن الخبز، ويصبح "أبو جابر" بحاجة لمن يجبر عنه؟


مع استمرار الأزمات المُستمرة منذ سنوات في سوريا، تتوسع دائرة السخط الشعبي والتذمّر بين السكان جراء انتشار شائعات اقتراب رفع "حكومة الأسد" الدعم الرسمي عن مادّة الخبز.

وفي جملة من المتناقضات أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في "نظام الأسد"، أكثر من مرة، عن وجود دراسات عديدة تقضي بتوقيف الدعم الرسمي عن مادّة الخبز ورفع سعر الربطة إلى 200 ليرة سورية مُقابل توزيع الدعم البالغ "حسب وصف النظام" 1500 ليرة على الأفراد، بشكل شهري، إن كانوا موظّفين في القطاع العام أو غيرهم، وذلك باعتبار الفرد الواحد يستهلك 10 ربطات خبز شهرياً، وبحسب وزير التجارة الداخلية السابق، عبد الله الغربي، فإنّ ربطة الخبز تُكلّف فعلياً 200 ليرة سورية بينما مصادر رسمية أخرى قالت إنّ التكلفة تتجاوز 500 ليرة وتتسبب بإضعاف الخزينة العامّة.

ما يُثير الريبة الانتقال الرهيب لوسائل الإعلام الرسمية من تمجيد الدعم الرسمي لمادة الخبز خلال المراحل السابقة إلى ترويج صوابية توقيف الدعم واعتباره فكرة فاشلة يُفترض استبدالها، بهدف تخفيض الاستهلاك والتخفيف من الهدر والخلاص من الفساد، إضافةً إلى الاقتراب من إقرار تخفيض مُخصّصات المخابز من الطحين والمازوت، وترك مسألة النفي والتأكيد للتحليل والنبوءات، الأمر الذي أثار مخاوف عديدة لدى المواطنين المُنهكين جراء تفاصيل الحرب الدائرة لا سيما محدودي و"معدومي" الدخل منهم.

"أبو أحمد"، يقطن في حي الميدان الدمشقي، "رفض الكشف عن شخصيّته لدواعٍ أمنية"، قال لـ "اقتصاد" إنّ مادّة الخبز تُفقد في نوافذ المخابز العامّة والخاصّة مع حلول فترة الظهيرة كُلّ يوم، لكنّها تتوفّر في "البسطات" المُلاصقة لها وفي محلّات تجارة المواد الغذائية لساعات الليل المتأخّرة.

وأكّد أنّ ربطة الخبز المُكوّنة من 7 أرغفة بوزن 1300 غرام تُباع في المخابز بـ 50 ليرة سورية، لكنّها تُباع في المحلّات التجارية بين 150 و200 ليرة سورية، علماً أن النشرة الرسمية تُحدّدها بـ 1800 غرام.

وأضاف "أبو أحمد": "أكثر المخابز تقوم بتصغير قطر رغيف الخبز وتُقلّل من وزنه ليصبح وزن الربطة حوالي 1000 غرام فقط وتبيعه تحديداً للبسطات والمحلّات لتقوم هي ببيعه للمستهلك الذي غالباً ما يضطّر للشراء منها بسبب الازدحام أمام المخابز وقصر الوقت الذي تعمل به".

قيمة الدعم الرسمي لمادة الخبز في موازنة 2019 بلغت 361 مليار ليرة سورية بانخفاض قليل عن موازنة عام 2018 البالغة 375 مليار ليرة، وحافظت ربطة الخبز على سعرها البالغ 15 ليرة سورية قبل أن ترتفع إلى 25 ليرة في عام 2014، و35 ليرة في 2015، لتستقر بـ 50 ليرة في عام 2016 وما بعد.

وتبلغ القدرة الإنتاجية لـ 175 مخبزاً تحتوي 244 خط إنتاج في المحافظات السورية 2600 طن يومياً، ما يُعادل 4 مليون ربطة خبز، بنحو 28 مليون رغيف.

يتراءى للسوريين افتعال الدوائر الرسمية لأزمات متتالية تهدف لتوقيف دعم مادّة الخبز ورفع سعرها، فلا يُمكن لعاقلٍ تصديق أكاذيب الإعلام القائلة "الإنتاج المحلي من مادة القمح لا يكفي الاستهلاك" في ظل تمنّع نشر الإحصاءات والبيانات الرسمية التي من المُفترض أن تصدر كل عام بحسب "أبو أحمد"، الذي أضاف أنّه لو كانت الدوائر الرسمية تبحث عن حلول تُساهم في تخفيف الضغط عن المواطن وتُلبّي تطلعاته ورغباته بحياةٍ كريمة لكانت كافحت عمليات الغش والفساد والهدر التي تذكرها في بياناتها، وكُلّ ذلك يؤشّر إلى رفع الدعم عن المادة في موازنة 2020، ليجعلوا من الخبز سلعةً كأيّ سلعةً أخرى تتأثر بمتغيّرات السوق وبورصة العرض والطلب، تلبيةً لمطالب التجّار في القطّاعات الخاصّة الّذين وقفوا لجانب النظام وأثبتوا خلال فترة الحرب أنّهم لا يرون المواطن السوري سوى سلعةً تجاريةً رابحة.

وفي ظلّ غياب رؤية مستقبلية واضحة لم يعد يُدهش تجاهل دوائر "نظام الأسد" الرسمية لحقيقة أنّ الدعم الرسمي للمواد التموينية الرئيسية يُعدّ آليّةً ثابتة لحفظ التوازن الاجتماعي ومُقاربة مستويات الدخل لدى أغلب الفئات الاجتماعية خصوصاً في مراحل التوتّر وانعدام الاستقرار.    
وبما أنّ "أبو رجاء، السفرة" باتت تترجّى لإكمال أصنافها، و"أبو غياث، الماء" بحاجة لمن يغيثه نتيجة أسعاره العالية، و"أبو الطيب" يفتقد للطيبة، فمن الطبيعي أن يترجّى "أبو جابر، الخبز" الرأفة بالناس من ظلم الجائر.

ترك تعليق

التعليق