رواية النظام المُضللة.. لماذا هاجر أطباء سوريا؟


بينما يسعى العالم لاستقطاب الكوادر السورية المهمة المهاجرة، ما زال النظام يسوّف ويبحث عن مبررات هجرة الأيدي العاملة وخصوصاً ذات الخبرت العلمية، خارج الوطن. ويسوّق بعض مسؤولي النظام أسباباً غبية عن هجرة هؤلاء، القسرية.

أسباب مادية

في حديثه لصحيفة "صاحبة الجلالة" الموالية، قال نقيب الأطباء عبد القادر حسن، عن أسباب هجرة الأطباء السوريين: "إن للأسباب المادية دوراً كبيراً في هجرة الأطباء فمن الناحية المنطقية وبعيداً عن المزاودات فإن الطبيب يتقاضى في الصومال 3000 دولار وفي أميركا مبلغ 4000 أو 5000 دولار وفي دول الخليج يصل المبلغ إلى 10000 دولار".

وأما عن الأجور في سوريا وارتباطها بالعودة للوطن، فيجيب نقيب الأطباء: "من الطبيعي أن يكون موضوع العودة إلى الوطن الأم صعباً تبعاً للأجور التي يحصل عليها في المغترب ولا يمكن أن يتقاضاها في الوطن الأم سورية، حيث لا يتعدى سقف أجره 50 ألف ليرة سورية".

الدكتور (ر.س) طبيب جلدية مقيم في ريف دمشق، تحدث لـ "اقتصاد"، وأرجع الأسباب إلى أبعد من رؤية نقيب أطباء النظام: "لم يكن الكثير من الأطباء في سوريا يفكرون بالهجرة، وكانت دخولهم المادية من أفضل ما يمكن، وأغلبهم يعمل في مشفى عام أو خاص، ولديه عيادته، ولكن الحرب وضغوط هائلة من أمن النظام على الأطباء أدت إلى فرارهم وليس هجرتهم".

جامعة دمشق.. تصدر أطباء

نقيب الأطباء يؤكد على الرواية التي طالما قدمها النظام على أنه سيد الانجازات العربية في المجال العلمي، وأن دور المؤسسات العلمية التي وجدت قبل أن يستلم زمام البلاد ليس سوى دور ثانوي ويعمل بتوجيهاته، ومن هذا المنطق يقول النقيب: "جامعة دمشق احتلت المرتبة السابعة عالمياً كأكبر جامعة مصدرة للأطباء الأجانب العاملين في أميركا وذلك حسب تقرير صدر عن اتحاد المجالس الطبية الأميركي حيث جاءت جامعة دمشق الوحيدة عربياً في هذه القائمة".

النقيب يتحدث عن 50 ألف طبيب سوري مغترب حتى عام 2010 في كل بلاد العالم.. وهذا ما يؤكده الدكتور(ع .ب) طبيب عام في الريف الغربي لدمشق: "سوريا كانت مكتفية بعدد الأطباء في أغلب المناطق السورية حتى في الأرياف البعيدة، ولا يكاد يخلو حي من طبيب أو اثنين، وبعض المدن الصغيرة كانت تملك فائضاً طبياً، والأطباء السوريون المتواجدون في مشافي العالم هم من أمهر الخبرات، وهي هجرات ليست جديدة، والبعض سافر لأسباب أمنية وسياسية، وملاحقات أحياناً سببها اسم العائلة المطلوبة للنظام، وآخرون فروا من خدمة العلم، والبعض كانوا ضباطاً وذهبوا في دورات تدريبية ولم يعودوا".

شروط العودة للوطن

لا تختلف شروط عودة الأطباء الذين هربوا من وحشية النظام عن شروط عودة أي مواطن أو معارض سوري، حيث يريد الجميع دولة مواطنة وكرامة، ونظام عادل غير استبدادي، وأما النظام فيسوق روايته فقط في الشق المادي، وعن هذا يقول نقيب الأطباء: "الأمر يحتاج إلى عمل جماعي يتضمن السعي لتغيير نظام الحوافز والإقامة والكثير من العمل على مستوى الوطن مع الأخذ بعين الاعتبار أننا خارجين من فترة صعبة فما تعرضت له البلاد في فترة الحرب من دمار لا يمكن أن يتم تغيير القوانين والأنظمة فيها بين ليلة وضحاها".

هذا الكلام العمومي الذي يحاول حجب الحقيقة يفنده لـ "اقتصاد"، الدكتور (ج . س) أخصائي بولية: "قبل الحديث عن الحوافز والرواتب هناك مئات من الضحايا الأطباء إما معتقلين أو مغيبين قسرياً أو قتلوا بدم بارد في أقبية المخابرات أو في القصف على المشافي الميدانية في كافة أنحاء البلاد، وهؤلاء يجب أن يتم القصاص لهم، ومن بعد زوال نظام الاستبداد يمكن الحديث عن وضع آلية لاستعادة المهاجرين والمنفيين من الكادر الطبي".

رواية النظام المُضللة لا تنطلي على السوريين الذين شهدوا على دور مؤيديه من الكوادر الطبية في تعذيب المعتقلين من المتظاهرين في الأيام الأولى للثورة في مشفيي تشرين و601 في المزة بدمشق، وكذلك اتجار الكثيرين منهم بالأعضاء البشرية، وتزويد النظام بتقارير كاذبة عن وفاة أغلب المعتقلين.

الملف الطبي في سوريا لا ينفصل في انتهاكاته عن ملف وطن تحول على يد العصابة الحاكمة إلى مسلخ بشري.

ترك تعليق

التعليق