قبورنا ليست لنا.. مكتب دفن الموتى يصادر قبور الدمشقيين


وصلت وحشية النظام وحقده إلى قبور الدمشقيين الذي لم يعد بمقدورهم دفن ذويهم في قبور توارثوها بعد أن عمد مكتب دفن الموتى بدمشق إلى مصادرتها.

ووفق ما نقلته صحيفة صاحبة الجلالة الموالية فإن مهمة هذا المكتب الذي تأسس في العام 1952 صيانة القبور والإشراف عليها ضمن الحيز الجغرافي لمدينة دمشق، وتغسيل وتكفين الوفيات وتشييعها إلى مثواها الأخير.

قبر بـ4 مليون ليرة

الصحيفة الموالية تناولت القرار 1020 الصادر عن المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق بتاريخ 19/11/2018 الذي ينص على تقاضي رسوم تصل إلى 4 ملايين ليرة من أي شخص يحصل على قبر من غير ذوي القربى وفق حكم قضائي تبعاً للغرامة التي قُسِّمت على درجات حسب تصنيف المقابر.

والتقسيم هنا حسب موقع المقبرة وأهميتها فمثلاً في مقبرة الدحداح وباب الصغير من أجل الحصول على قبر بالتنازل يجب دفع مبلغ أربعة ملايين ليرة وفق حكم قضائي، وفي بقية مقابر العاصمة يجب دفع ثلاثة ملايين ونصف، وأما في مقبرة الجبل في ركن الدين والمهاجرين فيصل المبلغ إلى 3 ملايين ليرة.

مصادرة تعسفية

مواطنون من أبناء العاصمة شكوا المعاملة التعسفية من قبل مدير مكتب دفن الموتى الذي يأخذ تعليماته من محافظة دمشق، وأحدهم اضطر لدفن والدته في قبر والده الذي لم يمض على وفاته 10 سنوات.

مواطن آخر صودر القبر المخصص باسمه من قبل المكتب المذكور وكان ينوي تنفيذ طابق ثان، وأما جواب المكتب فهو المصادرة لعدم امتلاكه وثائق كافية للملكية بالرغم من امتلاك العائلة للقبر منذ عشرات السنين.

رواية أخرى لمواطن من آل حسني تم رفض طلبه بفتح القبر بنفس الحجة وهي المصادرة، وأنه يحتاج إلى دفع مليونين ونصف لدفن والده، وهو لا يملك من المبلغ شيئاً، وهذا اضطره لدفن والده في ركن الدين مع والدته المتوفاة منذ سنوات.

تبريرات واهية

مدير مكتب دفن الموتى بحسب الصحيفة كانت ردوده مقتضبة وسريعة بشأن شكاوى المواطنين، وعلل ما يقوم به المكتب من مصادرة لأكثر من 500 قبر بأن هذه القضايا ستُطرح على النقاش قريباً للوصول إلى حلول ناجعة لها.

أما بشأن المبالغ المهولة المفروضة على المواطنين فهي لمنع عمليات الفساد وبيع وشراء القبور وكأن المواطن يملك هذا الحق دون أن يكون دليله موظفو المكتب ومحافظة دمشق.

قبور للقضاة والمحامين

المكتب الذي يصادر قبور الدمشقيين سمح لبعض المتنفذين من القضاة والمحامين بالاستثمار في مقابر العاصمة بعد حصوله على موافقات ورخص من قبل محافظة دمشق، والاتجار بها بعد ذلك، عبر بيعها بأرقام فلكية، وهذا ما حصل في الشاغور أحد أهم أحياء العاصمة حيث يباع القبر بسعر يتراوح ما بين 1.2 – 1.5 مليون ليرة.

وكان موقع "داماس بوست" الموالي قد ذكر روايات لأهالي العاصمة عن قيام هؤلاء بإنشاء أعداد كبيرة من القبور في مقابر باب الصغير وآل البيت، وخاصة عند مداخل المقابر والأبواب الرئيسية، ولاسيما في مقبرة "السيدة حفصة"، حيث حفر عدد من القبور فيها على مدخل الباب الرئيسي.

ويعلل هؤلاء ازدهار هذه التجارة بسبب الأعداد الكبيرة من الموتى سواء ممن يحاربون مع النظام من سوريين أو من بعض مقاتلي الميليشيات الشيعية الذين يتم دفنهم بناء على تعليمات أمنية ممن ينتمون إلى فصيل أبو الفضل العباس وحزب الله السوري.

رسوم دفن ارستقراطية
 
بعيداً عن مصادرة القبور والاتجار بها لا يستطيع الدمشقي العادي أن يدفع رسوم الدفن التي يأخذها مكتب المدفن مقابل تجهيز الجثمان ودفنه، وهي بحسب الدرجة والموقع. وبحسب موقع "الاقتصادي" فقد تم رفع رسوم الدفن للدرجة الأولى إلى 16 ألف ليرة بعد أن كان 10700 ليرة سورية، وللدرجة الثانية إلى 14 ألف ليرة بعد أن 9200 ليرة، كما أصبحت تكلفة القبر من الدرجة الثالثة 12 ألف ليرة، بعد أن كانت 6000 ليرة، بالإضافة لتكلفة تجهيز القبر من الأسفل التي وصلت إلى 17 ألف ليرة، وأجور تنزيل المتوفي للقبر بـ 2500 ليرة، وبهذه الحالة تصبح كلفة القبر بين 35 – 50 ألف ليرة سورية.

قبور الأرياف.. ليست مجانية

في ريف دمشق كان ذوي الموتى لا يجدون عناء في دفن موتاهم، وكانت تكلفة الدفن وتحضير الجثمان بسيطة وغالباً ما يتبرع بها الجيران كتعبير عن المواساة وتقاسم الحزن، وأما القبر فكان يسيراً والمقابر فيها فسحة دائمة لوافد جديد، وهذا عدا عن أن ذلك يتم بالتراضي فيمكن استضافة ميت بعيد النسب على جثة قديمة، وكذلك يدفن الأبناء في قبور آبائهم، وأما الملكية فهي إما للأوقاف أو تبرعات.

اليوم تكلفة القبر في جديدة عرطوز بالريف الغربي تتجاوز 70 ألف ليرة سورية وتقارب الخمسين ألفاً في سعسع على سبيل المثال.

(محمد. ر) وهو مواطن توفي والده منذ شهر في إحدى بلدات الريف الغربي للعاصمة قال لـ "اقتصاد": "لم نكن نشعر بالضيق عند موت قريب أو جار فقد كانت الأمور ميسرة جداً، وبالكاد أهل المتوفى يشعرون بالعسر المادي اليوم بتنا نخشى الموت والحياة، وتكلفة الدفن وتجهيز الجثمان باتت حملاً ثقيلاً على العائلة".

المقابر الجماعية.. مجانية

المقابر التي لا يتم حساب الموتى فيها من حيث العدد والغنى، هي المقابر الجماعية التي دفن فيها النظام ضحاياه في مختلف المناطق السورية، وهذه وحدها مجانية تنتظر أن يقوم القصاص ذات يوم، وتنبش فيها جثامين المفقودين والمغيبين حيث لن يكون ثمن ذلك بالتأكيد مجانياً على القتلة، ومن أعطاهم الأمر والرصاص.

ترك تعليق

التعليق