ذقون السوريين في برلين


ظاهرة لا يمكن إلا أن تلفت انتباه الزائر لمدينة برلين، وهي أنك قلما تلتقي بسوري بلا لحية..

بدأت الظاهرة تلفت انتباهي، عندما ارتدت أحد المقاهي السورية في برلين في اليوم الثاني من زيارتي للمدينة، والذي كان يتجمع به أكثر من أربعين شاباً سورياً، وفلسطينياً سورياً، جميعهم ملتحون..
 
قلت للنادل مازحاً، وأنا أهم بالخروج من المقهى، والذي كان ملتحياً كذلك: "شو القصة أنو كل الشباب مطلقين لحاهم هنا..؟".. استغرب سؤالي في البداية، وحدق بي كأنه لم يسمع السؤال، ثم أعدته عليه مع ضحكة، فأجاب بعد أن مد يده إلى لحيته الطويلة، مع ابتسامة خفيفة: "لا أدري، يمكن موضة..!".

لحى على مدى النظر
 
في الأيام التالية من زيارتي للمدينة، لم أعد أشعر أن هذه الظاهرة عادية.. لقد أصبحت أميز السوريين في كل مكان من لحاهم فقط.. في وسائط النقل، في الشوارع، في المطاعم، في كل مكان تقريباً.. وأخذت أتساءل: لا يمكن أن يجتمع هذا العدد الكبير على اتباع عادة معينة، على سبيل الموضة فقط.. سيما وأن موضة إطلاق اللحى، بجميع أشكالها، المحفوفة والطويلة، غير منتشرة في أوروبا..!
 
أحد أصدقائي السوريين المقيمين في برلين، والذي اعترف أني لفت انتباهه لهذه الظاهرة لأول مرة، رغم أنه يقطن في المدينة منذ أكثر من أربع سنوات، قال مبدياً رأيه: "أظن الأمر له علاقة بردة فعل على النظام وممارساته بحق أصحاب اللحى في فترة سابقة"..

لم تقنعني إجابته، لأنه في السنوات العشرين الأخيرة من حكم النظام، لم يعد يدقق على هذا الأمر، ومن جهة ثانية، فإن اللحية لم تعد مظهراً دينياً، بعد أن راح الشباب يتفنون في موديلات إطلاقها، بل في كثير من الأحيان، أصبحت توحي أن صاحبها "أزعر".

دفاعاً عن الرجولة
 
صديق آخر من المقيمين في برلين كذلك، عبّر عن اعتقاده، بأن أغلب السوريين الذين جاؤوا إلى ألمانيا، هم من أبناء الأرياف والحواري الشعبية في المدن، والذي يقيمون لمسائل الرجولة والتمييز عن الأنوثة الكثير من الاعتبارات.. وهم كونهم اختاروا أوروبا مكاناً للعيش، فكأنهم يريدون إيصال رسالة لذويهم، ممن تبقى في سوريا أو غيرها من البلدان، أنهم لازالوا يتمسكون بمظهرهم الرجولي وعاداتهم وتقاليدهم، مقابل ما يشاهدونه يومياً من مظاهر لشباب أوروبيين، تحتاج أن تتأمل بهم جيداً قبل أن تقرر فيما إذا كانوا ذكوراً أم إناثاً..!

ويوضح هذا الصديق، أن مشاهد "المخنثين" في الشوارع، قد تدفعك أحياناً لأن تتمسك بمظهرك الرجولي وتدافع عنه، لأنك قد تتوقع في كل لحظة أن ينظر إليك أحد هؤلاء "المخنثين"، بشكل مختلف.. وخصوصاً إذا ما كنت شاباً يافعاً، مفتول العضلات، وذا قوام رشيق..!

البحث عن إعجاب الأوروبيات

رأي آخر لصديق ثالث، يقول، بأن البعض يستخدم اللحية، للتودد إلى الأوروبيات، ولفت انتباههن.. وخصوصاً أن الأوروبيين عموماً، لديهم نزعة لتجريب كل ما هو غريب ومختلف عنهم..
 
لذلك لا يستبعد هذا الصديق، أن تكون اللحية إحدى الأدوات التي يرى فيها البعض، أنها قد تكون لجذب الأوروبية، ممن تبحث عن الفحولة والرجولة في المظهر، سيما وأن الشباب الأفارقة يحتلون مراكز متقدمة بين المهاجرين الذين يرتبطون بعلاقات عاطفية مع فتيات أوروبيات، معتمدين فقط على مظهرهم المختلف، وما تحمله الأوروبية من أفكار وتصورات، بأن هذا الشاب، يتمتع بمزايا تختلف جذرياً عن ابن جلدتها وثقافتها.

هؤلاء "همل"
 
في نهاية زيارتي إلى مدينة برلين، في اليوم الخامس، شاءت الصدف أن يكون شوفير التاكسي الذي أقلني للمطار، سورياً من ريف دمشق.. لذلك وجدتها فرصة، لفتح الحوار معه حول هذه الظاهرة التي لفتت انتباهي.

فقال لي: "أخي هؤلاء الذين لفتوا انتباهك، أغلبهم (همل) و(كسارة) و(صيع)، وهم للأسف متواجدون بكثرة في ألمانيا، لا شغل لهم سوى الجلوس في المقاهي، وارتياد صالات القمار، وتعاطي الحشيش، وشرب الخمور".

وتابع: "لذلك لا بد أن يكون قد لفت انتباهك، أن الكثير منهم يحلق شعر رأسه على الصفر، ثم يطلق لحية طويلة وكثة، في تقليد لبعض الأشكال الغريبة من الأوروبيين أنفسهم، الذين يطلق عليهم اسم راكبي الدراجات النارية".

ووافقني السائق، بأنك تستطيع أن تميز بالفعل، السوري، في برلين، في كثير من الأحيان، من ذقنه، لكنه رأى أن هذا الأمر يخص الشباب فقط وهؤلاء أكثر انتشاراً وخروجاً للشارع وتواجداً في المقاهي.. لذلك تظن بأن كل السوريين يطلقون لحاهم في برلين..

ثم عندما وصلنا إلى المطار، قال لي بلهجة ابن البلد ماداً يده إلى ذقنه: "طلع فيني أخي.. وحياتك أحلقها كل يوم، وأحياناً مرتين في اليوم.. مو كل السوريين هيك..!".
 
فافترقنا على ضحكة مجلجلة.. لكن، ظل السؤال يراودني: "ما سر ذقون السوريين في برلين..؟!".

ترك تعليق

التعليق