اختفاء الخمسين المعدنية يعيد السوريين لعصر المقايضة


عاد النظام بالسوريين واقتصادهم إلى نموذج العلاقات البدائية بعد أن تهدم اقتصاد البلاد، وانهارت الليرة السورية، وصار على المواطن السوري أن يحتال على الحياة لكي يستطيع مواجهة برد أولاده وجوعهم.

وقد وصل السوري في الآونة الأخيرة إلى أن يتعامل في البيع والشراء بالمقايضة، التي تُعتبر من أولى العلاقات البدائية الاقتصادية التي كان يتعامل بها البشر لقضاء حوائجهم، وتأمين شرابهم وطعامهم، والسبب في ذلك يعود لإجراءات النظام النقدية، وانتهازية التجار الصغار في البيع.

الخمسين ليرة البائسة

كافح النظام في الشهور الماضية التي أصدر فيها العملة المعدنية من فئة 50 ليرة لإقناع السوريين بأنه يملك اقتصاداً معافىً، ويمتلك معه البدائل بعد أن تفشت الأوراق الممزقة الورقية من نفس الفئة والتي بالكاد تشتري قطعة بسكويت صغيرة، ولكنها من مفردات التداول المهمة للناس الذين لا يملكون أموالاً كثيرة أو كروت بنكية.

ومع ذلك فشل في ذلك بعد أن بدأت تتلاشى العملة الجديدة واستمرت العملة الورقية الممزقة كخلاف بين البائع والمشتري، وهنا عادت المقايضة بين أطراف التداول.

مقايضة بالتراضي

"صاحبة الجلالة"، الصحيفة المقربة من النظام، رأت أن المقايضة الجديدة هي محاولة من المواطن لإيجاد حل للتعامل مع العملة المهترئة: "وجد السوريون حلاً لما تبقى لهم من عملة نقدية تئن في جيوبهم من كثرة اللصق والترقيع، وراحوا يستغنون عنها تباعاً عن طريق المقايضة، عائدين بالزمن إلى أربعينات القرن الماضي، لكن بصورة أكثر عصرنة، لكي يمضي يومهم بسلام أمام سائقي السرافيس والباصات الكبيرة وأصحاب المحال التجارية".

نظام المقايضة الجديد هو أن يعيد البائع للمواطن بدل الخمسين ليرة ما يقابلها من سلع وهي أرخص ما في السوق (شيبس وبسكويت)، وكذلك سائق سرفيس النقل، وهذا لا يترك أي انطباع غلبة بين الطرفين.

الرضا يعود إلى رغبة مزدوجة بعدم التعامل بالعملة الممزقة، ومن تجميع أوراق لا قيمة لها، واختفاء المعدينة، وعدم وجودها في (الكوات) التي من المفترض أن يتم استبدالها فيها.

في النقل.. والمحل

انتشرت على مواقع التواصل صور لسائقين يضعون بجوارهم علب البسكويت والعلكة لكي يعيدوا للركاب باقي أموالهم، وهذا ما ستجده في باصات النقل الداخلي، والسرافيس الخاصة العاملة على الخطوط.

تقول "فاطمة"، طالبة جامعية، لـ "اقتصاد": "الأجرة التي يتقاضاها السائق هي خمسون ليرة سورية إذا دفعت له 100 ليرة سيعيد لك قطعة بسكويت، وإذا دفعت له 200 ليرة سيعيد لك 100 ليرة وكيس من الشيبس.. وهكذا".

في السوق لا بديل عن انعدام "الخمسين اللعينة"، كما يقول "أبو أحمد": "البائع يعيد بقية الحساب لك مواد غذائية رخيصة، ومن الممكن أيضاً أن تعيدها له إن اضطررت إلى شراء حاجية أخرى بنفس القيمة.. وهذا ما يذكرني بأيام كان يحكي لي والدي رحمه الله فيها عن الدروس التي تساوي قيمتها بيضتان عند شيخ الكتاب".

الراتب والبدائل

يتندر السوري بالحديث عن راتبه العاجز فهو عندما يريد حساب ما يأخذه من حكومة النظام يساوي راتبه مع السلع التي ترتفع فجأة أو السلع التي لا يقدر عليها.

"عبد الهادي"، موظف في وزارة الزراعة منذ عشرين عاماً، راتبه 39400 ليرة يحسبه بعدد الفراريج المشوية التي يمكن أن يشتريها راتبه: "راتبي يساوي 15 فروج مشوي ونص.. الفروج اليوم بـ 3200 ليرة".

وكان على السوري في أزمته أن يحسب دخله بما يأتي به من موز أو حتى كوسا في أيام غلائها، ولكنه عندما يصف بؤسه يتحدث كما يراه "محمد"، الموظف في إحدى بلديات ريف دمشق الغربي: "بالكاد يصمد الراتب أمام الفواتير فالكهرباء تقريباً فاتورتها ما بين 5000- 10000 ليرة بالرغم من أنها بحالة انقطاع شبه دائم.. وما إلى هناك من فواتير خرافية للماء والغاز من السوق السوداء".

ترك تعليق

التعليق