مرفأ اللاذقية لإيران.. قراءة في الملابسات والتداعيات


أثارت "وثيقة" تم تداولها مؤخراً على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، حول نية نظام الأسد تسليم "مرفأ اللاذقية" لإيران الكثير من التساؤلات حول الأهداف التي يسعى إليها كلا الطرفين من وراء تلك الخطوة.

وجاء في الوثيقة المتداولة، أن المدير العام للشركة العامة لمرفأ اللاذقية أصدر أمراً إدارياً بتشكيل فريق عمل استشاري مؤلف من 6 أشخاص، بهدف التباحث مع الجانب الإيراني بخصوص إعداد "مسودة عقد" لإدارة المرفأ من قبل إيران.

وكانت صحيفة "تايمز" البريطانية قالت في تقرير لها، قبل أيام، إن إيران تسعى للسيطرة على ميناء اللاذقية السوري، وذلك لتحقيق هدفها بفتح ممر جغرافي يربط طهران بسواحل البحر المتوسط عبر العراق وسوريا.

وتوضح الصحيفة أنه لو حصلت إيران على عقد لإدارة الميناء، سيكون ورقة قوة لها، كما سيكون بمثابة التعويض لما قدمته من خدمات لنظام الأسد في الحرب الدائرة في البلاد منذ 8 سنوات.

وفي هذا الصدد أكد "سليم العمر"، صحفي من الساحل السوري، صحة الوثيقة المتداولة، وقال لموقع "اقتصاد": "إن نظام الأسد لم يقدم أي امتيازات على أرض الواقع لإيران ومعظم الامتيازات ذهبت لروسيا، وبالتالي لكي تستمر علاقة الحلفاء المتينة ما بين نظام الأسد وإيران كان لا بد عليه التقدم باتجاه إيران خطوة واحدة من خلال تقديم امتيازات حقيقية على أرض الواقع".

وبحسب "العمر" فإن إيران تريد منفذاً على البحر المتوسط كونها ليس لديها أي منفذ باتجاه البحر، في حين أن لديها طريق بري من إيران إلى العراق وصولاً إلى سوريا، لافتاً الانتباه إلى أن المنافذ البحرية المباشرة لإيران على المياه هي فقط في الخليج العربي والذي هو تحت السيطرة الأمريكية بالكامل، لذلك فهي تبحث عن منفذ جديد على المتوسط لاستغلاله ربما لتصدير منتجاتها أو لتوريد الأسلحة للحوثيين أو لمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

وذكر "العمر" أن الحركة التجارية في مرفأ اللاذقية متوقفة منذ نحو 5 سنوات، وأن معظم السفن التي ترسو فيه هي سفن إيرانية وهندية وصينية فقط، ويستقبل الميناء المواد الغذائية وبعض المواد التي تأتي من إيران، كمواد تصنيع البناء وبعض الحديد الإيراني.

وتقول صحيفة "تايمز" البريطانية، بحسب ما نقلت عنها وترجمت عدد من المصادر الإعلامية: "إن الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني بدأت بالفعل بنقل البضائع عبر الميناء، الذي سيكون حلقة الوصل بين البحر المتوسط والطريق البري فيما يعرف بـ (الهلال الشيعي)، الممتد من إيران عبر العراق وسوريا".

من جانبه، استبعد الصحفي السوري "عبد السلام حاج بكري" أن تكون إيران قادرة على السيطرة على مرفأ اللاذقية وقال: "إنه من الغريب أن يتم الحديث عن أن إيران تسعى لاستلام مرفأ اللاذقية وهذا مستبعد أصلاً إلى حد كبير، لأنه بالأصل هناك ضباط من روسيا يشاركون في إدارة المرفأ ويعملون مع الإدارة السورية فيه، ولا سيما لإدخال السلاح والذخيرة إضافة لمرفأ طرطوس".

وتابع بالقول: "لست من المقتنعين بأن روسيا ستسمح لإيران بالسيطرة على ميناء اللاذقية، ولا أظن أنها تستطيع إدارته بشكل جيد بوجود الضباط الروس الذين يشاركون في إدارته، إضافة لرفض الشبيحة بشكل عام تسليم المرفأ كلياً إلى جهة ما مثل إيران أو غيرها، لأن ذلك سيحرمهم فرص التهريب وإدخال البضائع المهربة كونه المعبر الرئيسي لدخول مهرباتهم".

وأضاف في حديثه لموقع "اقتصاد"، إنه في حال صح الكلام عن أن إيران تسعى لعقد اتفاق مع نظام الأسد من أجل تسيير أو السيطرة أو استثمار ميناء اللاذقية، فهي تسعى بذلك لاسترداد جزء من الأموال التي دفعتها لبشار الأسد خلال حربه على السوريين ومشاركتها له عسكرياً في هذه الحرب، ولا سيما أنها تتعرض لضغوطات غربية شديدة ترأسها أمريكا، وتخضع لعقوبات شديدة جعلتها بحاجة مالية، وهي الآن تحاول أن تجد لها منفذاً من سوريا لجلب الأموال.

وعن أهمية هذا المرفأ أوضح "حاج بكري" أن مرفأ اللاذقية هو المرفأ الأكبر في سوريا وهو يعمل بطاقة جيدة وإمكاناته التقنية جيدة وسعته جيدة، وإيران عندما تحاول أن تهيمن عليه فهي تعرف بأنه سيدر عليها دخلاً مادياً جيداً، كما أنه يعد المنفذ الرئيسي لنظام الأسد على العالم ويستقبل منه ما يستورده ويستخدمه للقليل مما يمكن تصديره، بعدما أغلقت الحدود بوجهه باتجاه تركيا كما أن هناك تشديد كبير في التجارة مع العراق والأردن وحتى لبنان.

وكانت صحيفة "العرب القطرية" نقلت عن مصادر عربية مطلعة "وجود خلافات وأزمة ثقة بين روسيا والأسد، خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها بشار الأسد إلى طهران، وأن أكثر ما أثار استياء الروس الوعد الذي أعطاه الأسد للإيرانيين بالسماح لهم بإدارة ميناء اللاذقية، مشيرة في هذا المجال إلى تشكيل لجنة سورية لدراسة هذا الموضوع الذي يمس بالمصالح الروسية في سوريا على نحو مباشر".

 وفي هذا الجانب يرى "حاج بكري" أن تسلّم إيران لمرفأ اللاذقية سيكون له تأثير سلبي على قاعدة "حميميم" الروسية في جبلة والتي تبعد 20 كم فقط عن ميناء اللاذقية، وبالتالي هذا يشكل مشكلة لروسيا في حال أرادت إسرائيل ضرب السفن الإيرانية التي سترسو أو الأسلحة التي سيتم تخزينها في الميناء، وبالتالي ستكون قريبة جداً من الدفاعات الجوية الروسية وهذا سيشكل مشكلة حقيقية لروسيا أمام كلٍ من "إيران والنظام وإسرائيل " لذلك فإن خطوة إيران ستزيد من التعقيد بالنسبة لروسيا التي ستكون بدورها في موقف حرج.

ويرى مراقبون أن نظام الأسد باع سوريا لإيران وروسيا من خلال عقود طويلة الأمد، ولذلك انعكاسات على الواقع الاقتصادي الذي بات متردياً في سوريا. ويعتبر فريق من المراقبين أن تسليم النظام المرفأ لإيران لن يغير من الظروف الاقتصادية التي تشهدها سوريا.

وفي هذا المجال قال "محمد عدنان" رئيس حركة "سوريا السلام" لموقع "اقتصاد": "إن مرفأ اللاذقية لم يكن منذ حكم حافظ الأسد، للدولة أو بإدارة الدولة، وإنما كان تحت سلطة عائلة الأسد".

وأضاف، أن "جميل الأسد" تسلّم إدارة المرفأ من "حافظ الأسد" ما يقارب ربع قرن، وكأنه ملك خاص به، ولذلك فإن تنازل عائلة الأسد عن ملكيتها للمرفأ إلى إيران لم ولن يغير شيئاً بالنسبة للاقتصاد السوري.

واعتبر "عدنان" أن المرفأ وفي حال سيطرت إيران عليه فإنه سيكون نقطة استراتيجية لها مع أوروبا واسرائيل وبالتالي مع أمريكا، ويمكن أن تستخدمها كورقة لتخفيف الضغوطات الدولية الداعية الى إخراجها من سوريا، وتكون أيضاً ورقة مساومة مع المجتمع الدولي.



ترك تعليق

التعليق