المنتجات السورية.. سخروا منها في بلدهم، ويبحثون عنها في أوروبا


قد يرى البعض أن العنوان يلخص مقولة هذا المقال، لكن البحث عن كل ما هو سوري في أوروبا، لم يعد يخص قضايا الشراب والطعام فقط، بل امتد ليشمل كل كل شيء تقريباً، الأطباء والمهندسين والفنيين والتقنيين، ومحال الألبسة والمقاهي، والأدوية السورية، في صورة كانت صادمة بالنسبة للاجئين السوريين، الذين كانوا يحملون أفكاراً عن أوروبا وجميع منتجاتها، المادية والبشرية، على أنها ذروة ما وصلت إليه الحضارة من تقدم ورقي، ثم ليكتشفوا لاحقاً، بأنها خالية من الروح البشرية، وتقوم على الآلة الفاقدة للرحمة والبركة والإنسانية.

حنين.. وحلال وحرام
 
يقول "وائل" الذي يعمل في محل للمنتجات الغذائية في ما بات يسمى "شارع العرب" في برلين، إن المفاجأة الكبيرة بالنسبة لهم كانت إقبال السوريين على منتجات بسيطة، يوجد ما يماثلها في أوروبا الكثير من الماركات الشهيرة، مثل بسكويت "الفاخر" السوري، مضيفاً أنه على الرغم من وجودة مئات الماركات الأوروبية التي تصنع البسكويت وبأشكال وبجودة رائعة، إلا أن هناك إقبالاً على شراء هذه السلعة بشكل منقطع النظير، ومثلها، يتابع "وائل"، "الأندومي" السوري، حيث يوجد في ألمانيا العديد من الأنواع المستوردة، ومن بلاد صناعة الأندومي ذاتها، إلا أن الإقبال على الصناعة السورية، يفوق التصور.

وفي تفسيره لهذه الظاهرة، يرى وائل بأنه ربما الحنين، أو أن الناس اعتادت على مذاق معين، ولم تعتد بعد على تغييره..

بدوره يرى "عدنان"، المقيم في برلين، أن ظاهرة إقبال السوريين على كل ما هو سوري في ألمانيا، في الوقت الذي كانوا يسخرون فيه من المنتجات المحلية في بلدهم، يعود بالدرجة الأولى إلى عدم الوثوق بالمنتجات الغذائية الأوروبية، التي يدخل في صناعتها دهون الخنزير والخمور.

ويتابع: "هذا الأمر ليس من السهولة اكتشافه، لأنه ليس بوسع الكل قراءة مركبات المنتج التي غالباً ما تكون موجودة على الغلاف، وتشير صراحة إلى وجود بعض هذه المواد المحرمة عند المسلمين". ويضيف، "لذلك الناس في البداية ضاقت ذرعاً، وهي تبحث في مركبات المنتج الغذائي الذين يشترونه، إلى أن تم افتتاح عدد من المحال التي تبيع المنتج السوري، فكانت فرصة للكثيرين، أن يستمروا بما اعتادوا عليه، بدل التورط في تناول طعام محرم". وبحسب رأي "عدنان"، فإن التوجه نحو المنتجات السورية، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى أنواع رديئة من السمنة والمعلبات، ليس بفضل جودتها وتميزها، وإنما لهذا السبب على الأغلب.

وماذا عن الأطباء والأدوية..؟

يلفت الانتباه وفي كثير من الأحيان، أن البعض يكتب على مجموعات السوريين في أوروبا، على "فيسبوك"، يطلب مساعدته في إيصاله إلى طبيب سوري حاصل على شهادته واختصاصه من جامعة دمشق.

وقد استفزت هذه الظاهرة الكثير من السوريين الذين لازالوا يقيمون في الداخل، متسائلين، كيف كنتم في سوريا، تبحثون بـ "السراج والفتيلة" عن الطبيب الذي حصل على اختصاصه في أوروبا وأمريكا، بينما الآن تبحثون عن طبيب خريج الجامعات السورية، وأنتم في أوروبا..؟
 
وحقيقة الأمر أن الكثير من السوريين، صُدم بمستوى الأطباء الأوروبيين العلمي، على الرغم من أنهم يمتلكون مشافٍ مجهزة بأحدث التقنيات المتطورة. وهو السبب الذي يرى "فتحي"، المقيم في فرنسا، أنه يجعل الطبيب يعتمد على التقنية أكثر من اعتماده على المعرفة العلمية والمهارة الفردية.
 
ويضيف، أنه ذهب إلى طبيب أسنان فرنسي، تندهش عندما تدخل إلى عيادته، وكأنك داخل إلى مصنع طائرات بحسب وصفه، لكن النتيجة كانت أنه كاد أن يفقد أسنانه بالكامل، وهو اليوم يعاني من آلام مبرحة، إلى أن اهتدى مؤخراً إلى طبيب سوري، فأخبره أن الطبيب السابق كان قد ارتكب مجزرة في فمه، ويحتاج إصلاحها إلى علاج طويل وتكاليف باهظة.

ومثله يروي، "محمد"، المقيم في فرنسا كذلك، أنه ذهب إلى طبيب عظام منذ أكثر من عام، يشكو من آلام بسيطة في ظهره، وكانت عيادته تدهش الداخل إليها، لكثرة الأجهزة الموجودة فيها، بما فيها أجهزة التصوير الشعاعي.

ويتابع، "قام الطبيب بعد التشخيص بحقني بإبرة في ظهري، كدت أن أصاب بالشلل على إثرها، بينما زادت آلام ظهري أضعافاً مضاعفة بعدها".

ويرى محمد أن الطبيب السوري أكثر مهارة، بدليل أن المستشفيات الأوروبية بدأت تستعين به، وهي اليوم تغص بالأطباء السوريين.

وفي تفسير هذا الأمر، يرى الطبيب السوري "طلال"، المقيم في ألمانيا، والمختص بأمراض القلب، أنه بلا شك هناك أطباء مهرة في أوروبا، وهم يعملون في مشافي محترمة، ليس بوسع اللاجئ زيارتها، بينما في الإطار العام، فإن الكثير من المشافي والعيادات الخاصة، فيها أطباء يعتمدون بالدرجة الأولى على الأجهزة وأرقامها وتحاليلها، الأمر الذي يضعف تجربتهم وخبرتهم. لكنه يرى أن القول بأن الأطباء الأوروبيين لا يفهمون، هو قول مبالغ فيه ويجانب الصواب، وإنما يمكن القول بأن الأطباء السوريين أثبتوا جدارتهم وفهمهم.

وبحسب رأيه أن صعوبات اللغة التي يعاني منها الوافدون الجدد إلى أوروبا، تَحُول، في كثير من الأحيان، دون أن يوصل المريض أعراض مرضه للطبيب، لذلك تحدث هذه الأخطاء، ويفضلون بعدها الطبيب الذي يفهم عليهم ويفهمون عليه.

وفيما يخص موضوع الأدوية، التي يرى الكثير من السوريين أنها بلا فاعلية في أوروبا، في الوقت الذي يدفعون فيه ثمن هذه الأدوية أضعاف سعرها مقارنة بالمنتج المحلي في سوريا، يرى الدكتور "طلال"، أنه في أوروبا هناك مراقبة صارمة على صناعة الأدوية، من حيث كمية المادة الفاعلة فيها، بعكس سوريا، التي ينخفض فيها مستوى الرقابة، إلى حدود مخيفة في كثير من الأحيان، لافتاً إلى أن الكثير من الأمراض الشائعة والكثيرة، كانت بسبب الأعراض الجانبية والكثيرة للأدوية المنتجة محلياً.

ويتابع الدكتور "طلال"، بأن الجسم أحياناً يعتاد على نوع من الأدوية ولا يتجاوب معها بحكم استخدامها الكثير، مثل أدوية الصداع، إذ أن البعض يرى أن "السيتامول" السوري هو أفضل من نظيره الأوروبي، لكن الحقيقة، بحسب قوله، أن الاثنين يحملان نفس المركب، مع فارق بسيط أن المعامل المحلية غالباً ما تلجأ إلى زيادة المادة الدوائية الفاعلية، لأن المستهلك يريد أن يشفى من حبة دواء واحدة وبأسرع وقت ممكن.



ترك تعليق

التعليق