ملاذ محدودي الدخل.. الأسواق الشعبية تعود للحياة في درعا


عادت الأسواق الشعبية الأسبوعية إلى الظهور في قرى وبلدات محافظة درعا؛ وذلك بعد غياب عن المشهد الاقتصادي استمر نحو 8 سنوات.

وأشارت مصادر مطلعة، إلى أن تحسن الوضع الأمني، وتوقف القتال في جميع مناطق درعا؛ أسهما في عودة هذه الأسواق الشعبية إلى الظهور من جديد.

ولفتت المصادر إلى أن هذه الأسواق، كانت تنتشر في السابق في كل مدينة وبلدة من بلدات المحافظة، وكان يؤمها مئات المواطنين لشراء حوائجهم بأسعار منافسة، لكنها توقفت بشكل كامل؛ بسبب عمليات القصف الممنهج الذي كانت تتعرض له المنطقة، من الطيران الروسي وطيران النظام.

وأضافت المصادر أن هذه الأسواق، كانت عشوائية في بدايات انتشارها مع نهايات التسعينيات من القرن الماضي، لكنها خضعت فيما بعد إلى التنظيم من قبل المجالس المحلية؛ وذلك من خلال تقديم مكان موحد والإشراف عليه من قبل تلك المجالس، وتقديم الخدمات الضرورية مقابل رسوم رمزية.

ويشير "أبو نضال"، 47 عاماً، وهو بائع خضار، إلى أن هذه الأسواق تتميز بالألفة والمحبة والبساطة، وروادها غالباً ما يكونون من ذوي الدخول المحدودة والمتدنية.

وأضاف أن أصحاب البسطات، الذين يفترشون الأرض ويعرضون بضائعهم عليها هنا، يعرفون بعضهم البعض بشكل جيد، كما أن العلاقة بينهم وبين الزبائن تقوم على المحبة، لافتاً إلى أن هذه الأسواق خسرت العديد من روادها، ومن أصحاب البسطات خلال الحرب، وما رافقها من موت وتهجير واعتقال.

ويقول: "كلما انتقلت إلى سوق من أسواق القرى والبلدات لعرض بضائعي فيها أتذكر صديقي وزميلي (أبو رياض)، بائع الفواكه، بصوته الشجي، وهو يروج لبضاعته ويجذب الناس إليها وهو الذي لم أعد أراه  أو أعرف مصيره".

ولفت إلى أن هذه الأسواق كان يطغى عليها الجمال الروحي والعاطفي، وتقدير الأوضاع الاقتصادية للناس، لأن الكل هنا من نفس السوية ومن نفس الطبقة تقريباً.

وأضاف: "كما لن أنسى وجه (أبو محمود) المحمر دائماً من أشعة الشمس، وانتظاره الطويل إلى نهاية عمل السوق؛ ليحصل على ما تبقى من خضار وفواكه بأسعار رمزية"، موضحاً أن ذلك الرجل الذي لجأ إلى الأردن، خلال الحرب، كان يعيل أسرة كبيرة رغم فقره وسوء أحواله المادية، لكن كل من في السوق كان يعرفه، ويرأف بحاله ويساعده".

من جهته يؤكد محمد العبدالله، 47 عاماً، وهو بائع منظفات، أن جميع السلع الاستهلاكية متوفرة في الأسواق الشعبية، وبأسعار أقل من المحال التجارية، تصل إلى النصف تقريباً.

وعزا انخفاض الأسعار في الأسواق الشعبية عنها في المحال التجارية، إلى أن أصحاب البسطات لا يدفعون تلك المبالغ والرسوم والخدمات, التي يدفعها أصحاب المحال التجارية؛ والتي تتسبب بارتفاع أسعار السلع مقارنة بأسعارها في الأسواق الشعبية.

وأضاف أنه يتنقل بسيارته إلى كل أسواق المحافظة المتوفرة لعرض بضائعه فيها، مشيراً إلى أن الأسواق تسمى بأسماء الأيام، وبأسماء المعروضات، فهناك سوق الجمعة في نوى، وسوق الخميس في طفس، وسوق الأربعاء في الشجرة، وسوق السبت في ابطع، وأسواق خربة غزالة وانخل، وغيرها عشرات الأسواق، التي تتكرر تسمياتها بحسب أيام الأسبوع، فضلاً عن أسواق الحلال والطيور، وهي أسواق تقليدية كانت قائمة قبل عشرات السنين في عدة مناطق في درعا.

ويشير الباحث نصار محمد إلى أن الأسواق الشعبية، إضافة إلى دورها في حركة التنشيط الاقتصادي، وتشجيع تجارة التجزئة، وتوفير فرص العمل، فقد ساهمت في تعزيز أواصر المحبة والتلاقي بين مختلف أهالي المحافظة، ففي مثل هذه الأسواق تجد الزوار والزبائن من جميع مناطق المحافظة القريبة، وحتى من بعض المحافظات المجاورة.

ولفت إلى أن الأسواق الشعبية، وعبر تاريخها الطويل كانت ومازالت ملتقيات ثقافية، ومنابر إخبارية، لن ينحسر أو يتراجع دورها الاجتماعي والثقافي، الاقتصادي، مهما بلغت البلاد من تطور.

وتقول سعاد ياسر، وهي موظفة، أنها تتسوق احتياجاتها من سوق نوى لأسبوع كامل، لافتة إلى أن أسعار الخضار والفواكه والمواد الاستهلاكية أقل بكثير من أسعارها في المحال التجارية، وهي تناسب الأسر الكبيرة محدودة الدخل.

وأضافت أنها توفر على نفسها كل أسبوع، أكثر من ألفي ليرة سورية فيما لو اشترت احتياجاتها من المحلات التجارية، مشيرة إلى أن المبلغ الذي يتم توفيره على مدار الشهر، يمكن استثماره في شراء احتياجات أخرى.

فيما قالت زميلتها سناء، وهي معلمة مدرسة، إن على أصحاب الدخل المحدود حساب مصاريفهم بدقة، وانتقاء البضائع التي تناسب إمكانياتهم المادية، وإلا سيقعون في عجز مادي كبير، وستترتب عليهم الديون، لافتة إلى أن الأسواق الشعبية هي ضالة هذه الشرائح، والمنقذ لهم من الوقوع في الأزمات المادية.

وعبرت عن أملها في أن تستقر الأمور في جميع الأراضي السورية، ويعم الأمن والأمان في كل مكان منها، وتعود الأسواق الشعبية إلى سابق عهدها، وتنتشر في كل مدينة وبلدة وقرية، لأنها فعلاً كانت ومازالت تعتبر الملاذ الاقتصادي للفقراء والأسر محدودة الدخل، لا سّيما في هذه الظروف الاقتصادية السيئة، التي يعاني منها السواد الأعظم من الشعب السوري.

من جهته، أكد قاسم اليوسف، وهو موظف، أنه يشتري معظم الخضار مثل البندورة والخبيزة والبقدونس والخس والحشائش من المزارعين المنتجين مباشرة دون وسيط تجاري، لافتاً إلى أن إنتاج هؤلاء المزارعين معروف المصدر، وأسعاره دائماً مريحة، لأن المنتجين لا يدفعون عليها أجور نقل وخدمات، كما أن البائع يقبل البيع بأسعار أقل عن باقي الباعة في السوق وهو ما لن تجده في أسواق المدن الكبرى.

ترك تعليق

التعليق