النظام صانع التسول.. يعاقب المشتغلين به


ماذ ا يمكن أن ترى في مجتمع تم إفقاره وقهره، ومورست عليه كل فنون الإذلال والقمع، ومن ثم تأتي بآلة الحرب فتذبح وتقتل وتشرد، وتصنع بذلك مجتمعاً جديداً لا يملك إلا الفتات والعمل في الظل والأعمال المهينة؟!

هذا بالضبط ما مارسه النظام السوري بحق السوريين قبل الحرب وأثنائها، وكذلك ما يمارسه وهو يرفع راية النصر على جبهات الموت، وفي نفس الوقت لا يملك أن يفعل شيئاً لاقتصاد شارف على الإنهيار.

اقتصاد ظل.. ومهن زائلة

اتسع اقتصاد الظل في سوريا مع قرارات حكوماته المتعاقبة التي بدأت سياسات انفتاح غير مدروسة أدت خلال سنوات قليلة لا تتجاوز الخمس من سحق الطبقة الوسطى، وتأسيس جيش من العاطلين عن العمل، وآلاف الورش الصغيرة التي أغلقت ولم تقدر على منافسة الانفتاح نحو اقتصادين عملاقين هما التركي والصيني.

وعل سبيل المثال في ريف دمشق وأحيائها الصغيرة، فقدت آلاف العائلات التي تعمل في الخياطة وتصنيع الألبسة قوت يومها، واضطرت إلى استبدال مهنتها بعدما سيطر تجار الشنطة على الأسواق، وبات من غير الممكن لهؤلاء العاملين شراء الخيط التركي الغالي، ومنافسة البضائع الصينية رخيصة الثمن.

حرب الإفقار
 
لم يلملم السوريون خسائر انقلاب النظام الاقتصادي حتى جاءتهم طائرات الأسد بالبراميل وتدمير وحرق وتعفيش ما بقي لهم من أملاك ومشاريع حياة، ولأن الفقر أوصلهم إلى الصراخ كان لا بد من حرمانهم من كل ما يساعدهم على الصمود، وكانت الحرب التي أعلنها النظام حرب قتل جسدي واقتصادي، وأصبح الحصار عقوبة للأحياء والمدن الثائرة، وأما الموت فخلّف مئات آلاف الضحايا والأيتام الذين تحولوا إلى متسولين مع استمرار آلة الموت في ملاحقتهم، وأما الشوارع التي تعج اليوم في العاصمة بأرقام غير مضبوطة من المتسولين من مختلف الأعمار فقد تحولت إلى بيوت مفتوحة لهؤلاء لممارسة الرذيلة أو تشغيلهم من قبل عصابات للتسول والقتل، أو مخدرين نتيجة تعاطي المخدرات.

عقوبات مشددة

عضو مجلس شعب النظام محمد خير العكام في حديث لجريدة الوطن الموالية قال إنه: "تم رفع العقوبة لمن يشغل الأطفال في التسول من سنة إلى ثلاث سنوات سجن في حين عقوبة من يمتهن التسول تراوحت ما بين شهرين إلى سنة بحسب كل حالة بعدما كانت العقوبة الحالية تنص على شهر فقط، وأن العقوبة تفرض بحسب الحالة التي يضبط بها المتسول".

العكام يعترف أن التسول أصبح مهنة لكنه يتجاهل مسبباتها الحقيقية، وأن أول تلك المسببات هي حرب النظام وسياساته الاقتصادية التي سبقتها بسنوات، ولكنه يشير إلى وجود وزارة للعمل مسؤولة عنهم، وأما الحقيقة فهي أن تلك الوزارة التي يتوسط بناؤها قلب العاصمة لا تملك أن تشغل عاطلاً أو متسولاً فهي بالكاد تصدر قرارات تعيين أقارب المجرمين من الشبيحة وجنود النظام.

الحرب كما لو أنها أنفلونزا

سريعاً تأتي الحرب على لسان عضو مجلس النظام كإحدى مسببات التسول كما لو أنها مرض موسمي يشفى سريعاً كالأنفلونزا الشتوية التي تصيب معظم الناس، وأما دور آلة موت النظام التي أوصلت السوريين إلى ما هم عليه، وحصاره وتجويعه فهي ليست في قائمته، ولكن لا ضير في بعض الثرثرة عن القانون الذي يرعى الأسرة والطفل: "من الممكن أن يكون دور الوزارة أو الجمعيات ليس على المستوى المطلوب وبالتالي يجب تفعيلها لأن واجب الدولة رعاية الأسرة والطفل كما نص عليه الدستور".

ودائماً ما يقع اللوم بعيداً عن المسؤولين: "الوزارة أحياناً تؤدي واجبها إلى جانب وزارة الداخلية إلا أن المتسول من الممكن أن يرجع للتسول من جديد لذلك وجدوا أن العقوبات يبدو غير رادعة لذلك تم تشديدها ووضع غرامات مالية".

حتى أولئك الذين فقدوا عائلاتهم لا ينوه العضو إلى المسبب وصانع المأساة بل يظهر من كلامه أن أهالي هؤلاء الأطفال هم من شنوا تلك الحرب: "تم استغلال الأطفال للتسول وخصوصاً الذين فقدوا أسرتهم نتيجة الحرب على سوريا".

صانع المأساة يبدو بثوب المصلح بينما الضحايا هم من يصنعون الخراب للمجتمع المتجانس الذي صنعه النظام مزيجاً من القتلة والمتوحشين والرماديين ومن لا حول لهم إلا الصمت.

ترك تعليق

التعليق