في ليبيا.. إعادة التوطين للـ "الأفارقة" على حساب السوريين


"لا علاقة لنا بسرعة القبول فالدول المستضيفة هي من تتحكم بهذا الأمر"، هذا هو الرد عادة من قبل مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا في حال سأل سوري عن سبب قبول الأفارقة بسرعة في حين تتأخر ملفات السوريين لأعوام حتى يصلها الرد.

ضعف الطبابة، وتجدد الاشتباكات بين الميليشيات المسلحة بين الحين والآخر، هو ما أجبر عائلة "أبو محمد" على التسجيل في إعادة التوطين لدى المفوضية.
 
"أبو محمد" روى لـ "اقتصاد" سبب تقديمه أوراقه وأوراق عائلته للمفوضية طلباً للهجرة نحو إحدى دول الاتحاد الأوروبي، فقال: "السبب الأول والرئيسي هو أن ابني ذو الثلاثة أعوام يعاني من مرض في الدماغ أصيب به بعد الولادة بسبب جرثومة أصيب بها خلال وضعه في الحضّانة ضمن المشفى في مدينة طرابلس".

"أبو محمد" أكمل قائلاً: "في نيسان من العام المنصرم تفاقم وضع ابني ما اضطرنا لمراجعة الطبيب الذي وصف له مسكن آلام، وأكد الطبيب حينها أن وضع الطفل معقّد".

ويروي "أبو محمد" أنه أجّل مع عائلته، مسألة التقدم إلى إعادة التوطين، مدة شهرين، للتفكير في هذا الخيار. لكن وضع الطفل تفاقم في تلك الأثناء، وكان من الضروري مراجعة مشفى الأعصاب، وهنا اندلعت اشتباكات بين فصائل مسلحة في المنطقة تسببت بإغلاق طريق المشفى ما جعل من المستحيل على العائلة إسعاف الطفل.

وبقي الطفل على حاله مدة شهر دون مراجعة المشفى ووصلت درجة حرارته إلى الأربعين، ما دفع والدته إلى إعطاءه مخفضات حرارة بعد تواصل مع المشفى عن طريق الهاتف.
 
"اضطررت لتغيير عملي مرتين متتاليتين الأولى كانت بسبب ارتفاع سعر الدولار والثانية كانت بسبب انتقالي من منطقة لأخرى تحسباً لاندلاع اشتباكات مجدداً وهو ما سيتسبب بإغلاق طريق المشفى من جديد"، يقول "أبو محمد" خلال حديثه لـ "اقتصاد".
 
لاحقاً، قدّمت العائلة أوراقها للمفوضية، جراء تلك الحوادث المتكررة وتدهور وضع الطفل، مع الاستعانة بجميع التقارير الطبية التي قدمها الطبيب المعالج نفسه، والذي نصح العائلة بالسفر خارج البلاد. إلا أنه وبعد التسجيل لدى المفوضية، ازدادت الأمور صعوبة من ناحية القبول بسبب كثرة الوافدين على التقديم. والضغط على التسجيل لم يكن سببه الوحيد هو السوريون، بل كان الضغط الأكبر من جانب "الأفارقة" الوافدين من التشاد والنيجر والسودان، بسبب الفقر وانعدام فرص العمل في بلادهم.
 
"الأفارقة" الذين يعملون في مجال الإنشاءات كالعبيد أو كما يسميهم أهل ليبيا "عبيدات"، قدّم الكثير منهم أوراقه للمفوضية، أيضاً، من أجل إعادة التوطين، متذرعين بالاضطهاد والفقر الذي يعانونه.

مكاتب المفوضية

لدى المفوضية ثلاثة مكاتب في مدينة طرابلس، أحدها في منطقة قرجي والثاني في منطقة صلاح الدين، أما المبنى الرئيسي فهو في منطقة جنزور والذي أغلق أبوابه منذ قرابة خمسة أشهر بسبب أعمال الصيانة والبناء.
 
المكتبان الآخران، مشتركان مع منظمات دولية أخرى، أي أن أعمال المفوضية الضرورية يتم إجراؤها في تلك المكاتب، أما أعمال تجديد الأوراق والتسجيل لإعادة التوطين فيتم إجراؤها في مكتب جنزور والذي يشاع أن افتتاحه سيعاد في الشهر المقبل.
 
"أبو محمد" قال: "لا أستطيع مراجعة تلك المكاتب بشكل دوري بسبب عملي الذي يبدأ في الصباح الباكر وينتهي منتصف الليل. كما لا يمكن لزوجتي أيضاً المراجعة بسبب مرض الطفل وتواجد أخوته الصغار".
 
المراجعة تمت مرتين فقط، في الأولى أخبرهم الموظف المتواجد عند الباب أن المبنى مغلق، وفي المرة الثانية أخبرتهم موظفة أخرى بأن الموظفة المسؤولة عن الملفات تعمل من منزلها وبأنها ستخبرها بالحالة وستعاود الاتصال بعد أسبوع.
 
بالفعل تم تعيين موعد أول مقابلة في كانون الأول من العام المنصرم أي بعد 6 أشهر من تاريخ التسجيل. وطرح خلال المقابلة عدة أسئلة عن سبب التقديم لإعادة التوطين، ووضع الطفل. وبعدها لم يصلهم أي رد من المكتب.
 
حاولت والدة الطفل الاتصال مرات عدة برقم الموظفة التي تواصلت مع الموظفة المسؤولة، إلا أن الرقم كان مغلقاً، في حين أن مراجعة المركز الذي تمت فيه المقابلة ستكلل بالفشل بسبب منع أحد من الدخول تحت عنوان "انتظر منا مكالمة".

في هذه الأثناء فإن معظم الحالات المقبولة تكون للأفارقة من إريتيريين وأثيوبيين وسودانيين، كما تنشر المفوضية الخاصة بليبيا، على صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، فمنذ مطلع العام الماضي وحتى الشهر الحالي تم نقل قرابة 4080 شخصاً باتجاه دول مختلفة كان معظمهم يقيم في مراكز الإيواء في ليبيا من جنسيات مختلفة.

وحملت الرحلة الأولى في التاسع والعشرين من كانون الثاني 130 لاجئاً سودانياً واريتيرياً واثيوبياً وصومالياً، دون تواجد لسوري واحد ضمن الرحلة، تحت مسمى "الفئات الأكثر ضعفاً".

والد "رهف" و"شادي" اللذين لقيا حتفهما داخل شاحنة أثناء توجههم إلى نقطة الإنطلاق في البحر للخروج باتجاه إيطاليا، لم تنظر المفوضية أيضاً بوضعه رغم تدهور حالته، إضافة إلى بقاء طفل وحيد له على قيد الحياة "لديه مشكلة صحية"، حيث تم تأجيله مرات عدة. ومن ثم كانت عبارة "انتظر منا مكالمة"، هي الأخيرة.

يُذكر أن مقر المفوضية الرئيسي موجود في تونس، أي أن المكاتب الموجودة في العاصمة الليبية هي مكاتب صغيرة تقوم باستلام الملفات وإرسالها إلى المقر الرئيسي، وهو ما يزيد الأمر صعوبة وتأخيراً.

ترك تعليق

التعليق