الإدارة الكردية تنتصر على النظام.. في صراع إغاثة الفيضانات بالحسكة


وصلت المساعدات الإنسانية يوم الاثنين إلى المتضررين من فيضانات الأنهار والأودية، بعد أسبوع كامل من اجتياح المياه لقراهم وتدمير عشرات المنازل وتشريد آلاف السكان بقرى جنوب القامشلي بريف الحسكة.

ووصلت المساعدات الإنسانية بعد وساطة عشائرية لإيجاد توافق بين النظام وحزب "الاتحاد الديمقراطي" بشأن مسؤولية توزيع المساعدات وآلياتها.

وكانت الفيضانات والسيول أحدثت أضراراً مادية جسيمة في ممتلكات الأهالي بمنطقتي القامشلي والمالكية شمال شرق الحسكة بفعل الأمطار الغزيرة التي هطلت على مدى أسبوع كامل وعطلت حركة المرور وعزلت المدن والمناطق عن بعضها تماماً بسبب انهيار بعض الجسور إلى جانب غمر عشرات آلاف الهكتارات من المزروعات.

لماذا تل حميس وجزعة؟

وأدت الأمطار الهاطلة منذ أسبوع  إلى انهيار عشرات المنازل الطينية وعلى وجه الخصوص في المنطقة المنخفضة الممتدة من "قلعة الهادي" على طريق اليعربية-القامشلي ضمن ناحية اليعربية حتى منطقة "مخلط الأنهار" شرق تل براك" مروراً بقرى ناحيتي تل حميس وجزعة المنخفضة بينهما، وذلك بسبب تجمع مياه السيول في الأودية والأنهار (الرد، والمخبن، والجراحي) والتي تقترب مجاريها من بعضها جنوب "تل حميس" قبل التقائها بنهر جغجغ (جقجق) القادم من القامشلي باتجاه بلدة تل براك.

ساهم تواصل هطول الأمطار الغزيرة  منذ أسبوع إلى تشكل السيول في شوارع بلدات وقرى المنطقة الممتدة بين مدينتي المالكية والقامشلي مروراً بالجوادية والقحطانية ومعبدة فخربت بعض الجسور الصغيرة وأضرت بالأثاث، لكن هذه الفيضانات كان لها أثر مدمر بقرى نواحي تل حميس وجزعة بريف القامشلي الجنوبي بعيداً عن مكان هطولها الغزير، جراء قرار فتح مياه سدود القحطانية والجوادية نحو الأنهار والأودية يوم 26 آذار مارس المنصرم بشكل مفاجئ، واقتصار التحذيرات التي أرسلتها الإدارة الكردية على تعميم وصل إلى البلدية التابعة لها باليعربية يوم 25 آذار مارس.

فوصلت مياه  الفيضان عبر مسارين الأول من جهة الجوادية عبر الأودية المشكلة لوادي الرد (الرميلة، وخنيزير، وعويرض) وداهمت قرية "قلعة الهادي" ثم بلدة "جزعة"، وقرى الزرقاء، والوضيحية، حسن النجم، وسفانة، وعكرشة، والقادسية، ومشيرفة الحمرة الجنوبية، البكارية، خربة الاحيمر، تل الاحيمر، تل هامان ونسيبة المازنية والضباع، ثم بلقيس. قبل أن يلتقي بالجراحي جنوب غرب تل حميس. أما المسار الثاني فكان الأقصر، من جهة القحطانية عبر نهر الجراحي مباشرة إلى قرى تل حميس، ما أدى إلى تهدم عشرات المنازل في قرى عديدة وأهمها "الجيسي" والحنوة و"الدعبولية" و"الواوية".

وكان هذا بعد اجتماع مياه نهر الجراحي المسؤول الأساسي عن معظم الأضرار والقادم من مدينة القحطانية قرب قرية "فارسوك" بمياه وادي العباس، فخرجت المياه عن المجاري لتجتاح قريتي الحصوية فوقاني وحصوية تحتاني ثم قطعت الطريق شرق بلدة تل حميس عند قرية حمدو الحسون، قبل أن يجتاح الفيضان قرى جيسي المي، والحنوة كبيرة، والدعبولية و جيسي الكبير، والوردية.

 وتركزت أكبر الأضرار في القرى الواقعة جنوب بلدة تل حميس لأنها حصرت بين فيضانات نهري الجراحي القادم من القحطانية والمخبن، القادم من القامشلي من جهة، وبين فيضانات وادي "الرد" القادمة من الجوادية ترفدها الأودية السيلية القادمة من جبال سنجار بفعل الأمطار الغزيرة، من جهة ثانية.

 وهذه القرى المتضررة تقع في منطقة محصورة بين منحدرات جبال سنجار العراق في الجنوب والجبال التركية شمال مدن القامشلي والقحطانية والجوادية والمالكية، حيث يبلغ المعدل السنوي للأمطار بين 400 – 500 مم ضمن منطقة الاستقرار الأولى، لذا غمرت مجموعة من القرى ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية القريبة من الأودية، رغم وقوعها ضمن منطقة الاستقرار الثانية ومعدل أمطارها السنوي 300 مم فقط.

وحسب التصريحات الرسمية، فإن أمطار المالكية والقامشلي اقتربت هذا العام من 1000 مم، سجل منها قرابة 200 مم في الأسبوع الأخير من شهر آذار.

وتتضاعف تأثيرات الأمطار جنوب القامشلي بسبب انعدام البنية التحتية في قرى وادي الرد، حيث تتألف القرى من عشرات المنازل الطينية بشكل أساسي بعكس منازل المدينة وقرى شمال المحافظة، وهطول الأمطار يجعل سقوفها ثقيلة على الجدران المبتلة، واستمرار الأمطار كما هو متوقع حتى الخميس القادم سيجعل معظم المنازل الطينية في المنطقة تواجه خطر الانهيار.

نزوح السكان

في تل حميس تحديداً، أدى فيضان نهر الجراحي إلى تشريد  مئات الأسر من قرى "الحنوة" والجيسي" و"الوردية" و"الدعبولية" وغيرها، فهرع الشباب بقرى تلحميس البعيدة عن مجاري الأنهار والأودية إلى نجدة أهالي هذه القرى، وحاولوا وفتح الطرق والمسالك وايجاد منافذ للمياه للخروج من القرى بالمعاول والمجارف وأدوات ووسائل بسيطة. لكن مياه الأنهار التي خرجت عن مجراها الطبيعي مازالت تحاصر عشرات القرى وأغرقت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية قدرت بنحو 100 ألف هكتار مع استمرار ارتفاع منسوب المياه في الأنهار نتيجة تواصل هطول الأمطار.

وتجمع معظم النازحين والمتضررين من الفيضانات في مدرسة "زهدي السلمو" بناحية تل حميس ومدرسة "زومة" ومدرسة "الجيسي" ومدرسة "الطراحية"، فيما بدأت المنظمات الإنسانية بالوصول لمساعدة الأهالي بعد 5 أيام من اجتياح الفيضانات لهذه القرى.

وتنافست حكومة النظام والإدارة الذاتية الكردية على توزيع المساعدات المقدمة من منظمات الأمم المتحدة، مما عطّل وصول مساعدات إنسانية مقدمة من لجنة الصليب الأحمر الدولية إلى القرى المتضررة من الفيضانات بناحية تل حميس.

ومنعت ميليشيا "آساييش" الذراع الأمنية لحزب "الاتحاد الديمقراطي" يومي الأحد والاثنين، دخول المساعدات عند بلدة "أبو قصايب"، مشترطة الإشراف "الكردي" على عمليات توزيع المساعدات واستبعاد 30 متطوعاً أرسلتهم منظمة الهلال الأحمر مع القافلة.

وردّ النظام عبر إبلاغ الأهالي بضرورة القدوم إلى قرية "الطواريج" ضمن مناطق سيطرة قوات النظام جنوب القامشلي لاستلام المساعدات، لكن وساطات عشائرية من قبل قبيلة "الشرابيين" العربية، التي ينتمي إليها معظم المتضررين من هذه الفيضانات، أسهمت في إيجاد توافق على إدخال الشاحنات إلى بلدات تل حميس، ومع إصرار الإدارة الكردية على التوزيع بطريقتها انسحب متطوعو الهلال الأحمر واستولت الكومينات التابعة لإدارة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذاتية على الشاحنات لتبدأ توزيعها على النازحين في مدارس البلدة.

وشكّل مسؤولو النظام بالحسكة يوم السبت الماضي لجنة لحصر الأضرار في المنازل الطينية والمزروعات الشتوية وتم اتخاذ عدد من الإجراءات المستعجلة تتضمن إرسال آليات هندسية إلى القرى المتضررة لتنفيذ سدات على الأودية والمفائض وتوزيع مواد إغاثية.

وكان فرع صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية دعا كل الفلاحين والمزارعين المتضررين جراء السيول والفيضانات التي تعرضت لها المحافظة منتصف الأسبوع الجاري إلى مراجعة الدوائر الزراعية وتقديم طلبات لتعويض الأضرار.

سدود الحسكة
 
ونقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام عن مدير الموارد المائية المهندس عبد الرزاق العواك قوله، إنهم شرعوا بتصريف 50 متراً مكعباً بالثانية من مخزون مياه سد الحسكة الجنوبي في مجرى نهر الخابور بعد أن وصلت نسبة تخزين المياه فيه إلى 584 مليون متر مكعب وقارب الوصول إلى حده التخزيني الأعظمي البالغ 605 ملايين متر مكعب مبيناً أن سبب تصريف المياه هو التخوف من حدوث موجة فيضانات جديدة في ظل الارتفاع التدريجي لمستويات المياه في الأنهار المغذية للسد.

ولفت العواك إلى أن مجموع تخازين المياه في سدود المحافظة العشر بلغ 708 ملايين متر مكعب والتدفق الحالي للمياه في مجرى نهر الخابور بمنطقة تل تمر يبلغ 65 متراً مكعباً بالثانية وفي منطقة الحسكة 45 متراً مكعباً، وفي نهر الجرجب بمنطقة السفح 45 متراً مكعباً وفي نهر الجغجغ 50 متراً مكعباً.

وكانت مديرية الموارد فتحت قنوات تصريف المياه والمفيضات في سدود المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية بعد وصول مستوى التخزين فيها إلى حدها الأعظمي، ولا سيما السفان قرب المالكية 41 مليون م3، وسد الجوادية 8 ملايين م3 والحاكمية قرب المالكية 7 ملايين و500 ألف م3.
وبلغ تخزين سدود باب الحديد قرب الجوادية 16 مليون م3 والجراحي قرب القحطانية 16 مليوناً و500 ألف م3 والمنصورة قرب المالكية 3 ملايين و200 ألف م3 (وهو الحد الأعظمي)، ومعشوق مليون و 200 ألف م3 من أصل مليون و 700 ألف م 3.

ترك تعليق

التعليق