حينما تصبح باقة "البصل الأخضر" بـ 1000 ليرة.. كيف يعيش السوريون؟


يستعرض هذا التقرير نماذج عديدة من ألوان المعاناة المعيشية التي يواجهها السوريون في مناطق سيطرة النظام، والتي تبدأ بنقص المواد الأساسية كالغاز والمازوت والكهرباء لتنتقل إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأقلها أهمية كالحشائش.. حيث وصل سعر باقة البصل الأخضر إلى 1000 ليرة سورية على سبيل المثال لا الحصر، بعد أن كان المواطن يشتريها عام 2011 بمبلغ 5 ليرات سورية فقط لا غير، إن لم يكن أقل من ذلك.

وحسب بعض من تحدثنا إليهم في الداخل السوري، فإن هناك قناعة رائجة بأن النظام يخلق الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتتالية لوضع المواطن في عنق زجاجة هذه المسائل اليومية المربكة.

الشاب أحمد الحوراني المقيم حالياً في منطقة القلمون في ريف دمشق، يؤكد لـ"اقتصاد" بأن موضوع الوقوف على "دور طويل" للحصول على جرة الغاز أصبحت أمراً شبه يومي يقضي من خلاله المواطن ساعات عدة في انتظار الجرة المدللة، حتى أصبح الناس يسخرون من هذه الحال بالقول أن من يخطب هذه الأيام يسأله أهل خطيبته كم جرة غاز لديه!.. حيث وصل سعر الجرة الواحدة إلى أكثر من 10 آلاف ليرة سورية..

أما السيدة "خديجة" المقيمة في قلب العاصمة بعد أن هُجّرت هي وعائلتها من مدينة حرستا، فتشير إلى مأساة المقيمين في عاصمة الأمويين دمشق، قائلة: "لم نتعود على هذا النوع من الذل، ولم نحتاج لأحد هكذا مسبقاً.. عايشنا على أيام حافظ الأسد انقطاعات لمواد تموينية، لكن أن نعيش ونحن في القرن الحادي والعشرين دون كهرباء وغاز ومازوت، فهذا ما أسميه (عيش الكلاب).. ماذا يعني أن تقف سيدة طوال النهار على دور غاز أو مازوت، وأن تتصدى للكلام السخيف وأحياناً المهين، وأن ترجو هذا وذاك على تأمين مادة تموينية متوفرة حتى في الدول الفقيرة والتي ليس فيها مشتقات نفطية؟ هذا عدا عن المشاجرات بين الواقفين في انتظار الفرج، والتي تجعلني أهرب من الدور تفادياً للوقوع في مشكلة أكبر".

الشابة سامية ابراهيم تضيف: "كنا نحسب في البداية أن الأمن والأمان هو ما يهم الحكومة في السابق، وهذا ما كان يجعلنا ننتظر. أما اليوم، فقد أصبحت عيشة المواطن حسب تصريحاتهم أولوية، أو هكذا يجب أن تكون، وكنا وقفنا مسبقاً نحن كمواطني حي القصاع الدمشقي مع الحكومة لأننا ظننا أنها ستتصرف لحل هذه الأزمات اليومية وبسرعة. لكن ما نراه على التلفاز الحكومي حالياً فقط هو مشاريع في مدينة حمص التي هدمت، والمعارض والمباقر هنا وهناك، وإعطاء المواطن الذي عانى ويلات الحروب مجرد مهدئات على شكل تصريحات خلبية ليس إلا، فهيئة تنمية الصادرات تشجع على تصدير الخيوط والعنب وما شابه، ولقاءات مع وفود ودبلوماسيين، هذا عدا عن وابل من أخبار الرياضة، وكأن المواطن المسكين يهتم بمثل هذه المواضيع!".

عائلة "أبو عمار" المقيمة في فرنسا، تتحدث عن معاناة باقي أفراد العائلة المقيمة في مدينة حماة وما حولها، حيث يطلبون منهم إرسال مساعدات وبعض النقود بشكل دائم، لضيق حالهم وارتفاع أسعار المواد بشكل جنوني.. فقد وصل سعر كيلو الشاي إلى أكثر من 2300 ليرة سورية، والسكر إلى 250 ليرة سورية، والمأساة تقع بشكل أكبر على من نزحوا وتركوا منازلهم إلى أماكن أخرى. يوضح أبو عمار لـ"اقتصاد": "أسعار العقارات أصبحت في منطقتنا كالنار الكاوية، وقلة المياه والمواد الغذائية تجعل النازح يهيم على وجهه دون أن يعرف ما الذي سيفعله في ظل عدم وجود فرص عمل، وانخفاض المساعدات الأممية وشبه غياب دعم الجمعيات الخيرية الأهلية. لم يعد هم الحموي أو من في ريف حماة سوى تأمين خبزه اليومي، وإيجاد طريقة لتدفئة أولاده، عدا خوفه على عائلته من مصائب النهب والخطف والقتل وما شابه".

بحسب تقارير أممية نشرت مؤخراً، ارتفعت معدلات الفقر في سوريا إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت إلى 85% من إجمالي عدد السكان، بسبب فقدان المواطنين لمصدر الرزق، وانخفاض معدل الدخل، وارتفاع معدلات الإنفاق على الغذاء بسبب هبوط قيمة الليرة السورية وقدرتها الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم.. ومع تدهور المساعدات الأممية وخاصة للمعارضة التي كانت تقدم بعض الدعم الإغاثي، وانتشار فضائح عمل أقارب رموز النظام في مكاتب مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة، وسرقة معظمها من قبل مافياته، أصبحت الأعطيات المقدمة للسوريين مدروسة بشكل محكم من قبل مرسليها.

وفي هذا الإطار، يشير السيد "سالوفان" العامل في جمعية داعمة للسوريين بفرنسا منذ بدء الأزمة السورية إلى أن: "المسألة السورية أصبحت معقدة وقديمة بالنسبة للمانح الفرنسي وحتى أي مانح دولي آخر، خاصة وأن الوضع في اليمن وفي كثير من الدول الأخرى ليس أفضل حالاً من داخل سوريا تجاه المعيشة والأمور الصحية والبنية التحتية. وقد تراجع حجم مبالغ ما تجمعه جمعيتنا من أموال بسيطة لإرسال مساعدات إلى سوريا نظراً لطول مدة الحرب.. في حين تهتم الدولة الفرنسية في الوقت ذاته بالنظر لعدة مشاكل داخلية وخارجية، وقد لا تكون تلك المتعلقة بسوريا في مقدمتها".

ترك تعليق

التعليق