استثمارات الحرس الثوري الإيراني في سوريا.. ومصيرها، عقب العقوبات الأمريكية


فتح قرار الإدارة الأمريكية إدراج "الحرس الثوري الإيراني" على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، الباب على مصراعيه، أمام التساؤلات حول مصير الاستثمارات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي سوريا خصوصاً.

ويمتلك "الحرس الثوري"، بحسب باحثين في الشأن الإيراني، أكبر ذراع اقتصادي في الإقليم من خلال مؤسسة "خاتم الأنبياء" التي ينضوي تحتها أكثر من 853 مؤسسة تعمل في الطاقة والاتصالات والإعمار، ولديها وكالات تجارية ومراكز تجارية وفنادق وشركات طيران وبنوك، وشركات صرافة ومؤسسات إعلامية على امتداد إيران وخارجها، وهذا يعني أن الملايين الذين يعملون في مؤسسات تابعة للحرس أو مرتبطة بالحرس سيتحولون بين ليلة وضحاها إلى جيش من الإرهابيين من وجهة النظر الأميركية.

وبحسب ما ذكر الخبير والمستشار الاقتصادي "يونس الكريم" لموقع "اقتصاد"، فإن شركة "خاتم الأنبياء" تتعامل مع 5000 مقاول وتاجر، وتضم نحو 650 ألف موظف داخل إيران فقط، وبالتالي اعتبار كل هذه المؤسسات "إرهابية"، فإن ذلك سيؤدي إلى شلل الاقتصاد داخل إيران وإيقاف كثير من برامج التنمية الإيرانية، بسبب سيطرة الحرس الثوري على تلك البرامج.

وتعد "سوريا" ساحة رئيسة بالنسبة للشركات والاستثمارات الإيرانية التي يرعاها الحرس الثوري، وبالتالي فإن نظام الأسد سيكون متأثراً بتلك الخطوة الأمريكية خاصة على صعيد الوضع الاقتصادي الذي ربما قد يشهد ركوداً كبيراً، كون الأموال الإيرانية ضخمة بسوريا، وبالتالي ستحاول رؤوس الأموال المحسوبة عليها إضافة للتجار التابعين لها، سيحاولون الابتعاد عن الدخول بالمهاترات الدولية بين الروس والنظام وإيران وأمريكا، ما سيشكل صدمة للاقتصاد السوري.

ولا يعد "الحرس الثوري"، بحسب "الكريم"، قوة عسكرية بالنسبة لإيران بل هو أيضاً قوة اقتصادية، كما أنه لا يملك استثمارات داخل إيران فقط بل في كل دول الخليج وبشكل غير رسمي عن طريق رجال أعمال يقومون بمهامه منتشرين في الكويت والامارات وسلطنة عمان واليمن إضافة للسعودية ولبنان والعراق وشمال افريقيا وسوريا ومصر والمغرب العربي، وبالتالي، فإن ذلك سيقود إلى كثير من التقييد البنكي لرجال الأعمال هؤلاء وملاحقتهم أمنياً على أنهم منظمات إرهابية.

ويرى "الكريم"، أن هذا الأمر سيؤدي بالتالي إلى توقف مشاريع إيرانية كثيرة يرعاها الحرس الثوري الإيراني في سوريا، مثل محطات الكهرباء وخط الأنابيب النفطية والطاقة، في انتظار وضوح المستهدف من العقوبات هل هو الحرس الثوري بشخوص وكيانات محددة كما يحدث بسوريا، أم جيش الحرس الثوري لإيران.

ويعد مشروع "خط النفط والطاقة" الممتد من العراق إلى الزبداني فلبنان وصولاً إلى الساحل السوري من أهم مشاريع الحرس الثوري في سوريا، والذي تم تمويله عام 2013 بقيمة 10 مليارات دولار.

وأشار "الكريم" إلى أن من أهم الاستثمارات للحرس الثوري الإيراني أيضاً، مجموعة الأملاك والفنادق داخل العاصمة السورية وريفها، وكلها استثمارات ضخمة إن كان في الحي التجاري في منطقة "البحصة"، أو في شارع الأمين أو في أحياء الشاغور والحريقة ومنطقة الحميدية.

كما يستثمر الحرس الثوري الإيراني في الزراعة، من خلال الأراضي المنتشرة في دير الزور وريف دمشق إضافة لمشاريع الطاقة الكهربائية، فعلى سبيل المثال حصلت الشركات الإيرانية على عقود لاستثمار أراضي في دير الزور بالمنتجات الزراعية وزراعة "الحبوب والكاجو"، لسهولة إعادة تصديرها للخارج وتوفير الكميات المطلوبة منها.

وهناك استثمارات لإيران تكمن في تطوير بعض حقول الغاز في منطقة "قارة" داخل سوريا، وتوسعة "حقل تشرين الحراري" بمنطقة "حران العواميد" بريف دمشق، وإعادة استثمار محطة كهرباء بريف اللاذقية، ولديها عدة استثمارات بقطاع تجميع السيارات وبعض المواد الغذائية الأساسية، واستثمارات في معمل الاسمنت بمنطقة عدرا الصناعية، بحسب "الكريم".

ولا يقتصر الأمر على هذه الاستثمارات الإيرانية في سوريا، فقد كشفت منظمة "مجاهدي خلق" والتي تعتبر من أقوى الجهات المُعارضة لنظام الملالي الإيراني، عن عدد من الاتفاقيات والصفقات الاقتصادية ومن أهمها الاتفاق الموقع عام 2017 بين رئيس وزراء النظام "عماد خيس" و "اسحاق جهانغيري" النائب الأول للرئيس الإيراني، والقاضي بإلزام حكومة النظام إعادة "الدين" المترتب عليها للنظام الإيراني خلال 25 عاماً، قابلة للتمديد إلى 40 عاماً، في مقابل سداد جميع النفقات التي دفعتها إيران في سوريا، وتم الاتفاق على أن يتم التنفيذ عبر ستة عقود رئيسية.

وفي مناقشات أجراها "المجلس الأعلى للأمن الوطني الإيراني"، قدّر المبلغ الذي ستدفعه سوريا إلى إيران في أقصى حده "20" مليار دولار، وهذا المبلغ يشمل فقط مبيعات النفط والائتمان الذي أعطاه النظام الإيراني لسوريا خلال فترة حكم رأس النظام بشار الأسد، وبشكل أكثر تحديداً خلال الحرب التي اندلعت في سوريا.

ويقدر النفط الذي قدمه النظام الإيراني لحكومة نظام الأسد خلال هذه الفترة بما لا يقل عن 8 مليارات دولار، ولا يشمل المبلغ المذكور أعلاه المساعدات العسكرية والمعدات التي قدمها النظام الإيراني إلى نظام الأسد، وهو رقم أكثر بعدة مرات من الرقم المذكور أعلاه، بحسب مصادر المعارضة الإيرانية.

وفي هذا الصدد قال الخبير الاقتصادي "الكريم": "إنه ورغم التقديرات بأن قيمة النفط الإيراني المقدم لنظام الأسد هو 8 مليارات دولار، إلا أن السوق السورية خلال مدة التمويل بقيت تعاني من أزمة نفطية، مما يعني أن هذه المحروقات كانت تباع عبر الوسطاء لتأمين سيولة للنظام".

ولفتت مصادر في منظمة "مجاهدي خلق" إلى أن شركات "خاتم الأنبياء، ونيروغوستر، وإيران للاستثمار الأجنبي، وبرينان" من أهم الشركات الإيرانية التي تنفذ المشاريع والاتفاقيات في سوريا، مشيرة إلى أن شركة "خاتم الأنبياء" هي المقاول الرئيس للمشاريع الإيرانية في سوريا وهي تحت قيادة عميد الحرس الثوري "عباد الله عبداللهي".

ووقعت تلك الشركات الإيرانية عدة عقود مع حكومة النظام ومنها: توقيع عقد مع وزارة الزراعة السورية لاستثمار 5000 هكتار زراعي في الداخل السوري وبإشراف من وزارة الزراعة الإيرانية.

كما تم في العام 2017، توقيع عقد مزرعة " زاهد" لتربية الأبقار في طرطوس، وتشمل الآلات والمعدات الزراعية ومنظومة الحماية من الحرائق في الغابات، فضلًا عن إنشاء مصنع تغذية للثروة الحيوانية وغرف تجميد، ومذبح ومصنع ومزرعة "زاهد" لتربية الأبقار في طرطوس، كما تم توقيع عقد لبناء محطة للتطعيم، تحت اشراف معهد "رازي" في إيران.

كما سعت الشركات الإيرانية لتوقيع عقود مع نظام الأسد للاستثمار في مناجم الفوسفات بريف تدمر شرقي حمص، وتولت شركتا "خاتم الأنبياء، وقائم" مسؤولية تلك المشاريع برعاية من قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، وكان المخطط الرئيس هو أن يتم تصدير الفوسفات المستخرج مستقبلاً عن طريق ميناء طرطوس.

وفي هذا السياق أوضح "الكريم"، أن شركة "خاتم الأنبياء" استثمرت في مناجم الفوسفات والملح بعد أن انتزعتها من الشركات التركية التي كانت ممنوحة لها من نظام الأسد قبل الثورة السورية نتيجة التغيير في الموقف السياسي ومنح نظام الأسد تلك الاستثمارات لإيران، ومن ثم تم اعادة انتزاع هذه الاستثمارات من إيران ومنحها للجانب الروسي على أن تأخذ استثمارات في مناطق أخرى بهدف التغيير في الخريطة العسكرية، وهذا يدل على أن النظام من الممكن أن ينتزع ملكية كثير من الاستثمارات التي منحت لإيران نتيجة العقوبات التي فرضت عليها، وبغية التقارب من الأمم المتحدة ليقوم البنك الدولي بتمويل إعادة الإعمار ومنح تلك الاستثمارات إلى قوى سياسية صاعدة، على أن يلتزم نظام الأسد بسداد فوائد الدين لإيران ريثما يتبين الموقف الكلي للعقوبات الأمريكية إن كانت على "الشخوص" أو على "المؤسسة العسكرية" ككل.

ترك تعليق

التعليق