اقتصاديات.. الحصار، ومثال "الحمار الميت"


يسترجع الموالون في هذه الأيام، وقائع الحصار الأمريكي على العراق الذي استمر نحو عشرة أعوام، والذي تبين فيما بعد، أن من أبرز دوافعه، أن أمريكا لا ترفس إلا حماراً ميتاً..
 
لذلك هم يسترجعون تفاصيل ذلك الحصار، والتي تشبه تماماً ما يجري إعداده لسوريا، ويتذكرون، أنه إذا كان صدام حسين مع ثروة العراق النفطية الهائلة، قد صمد عشرة أعوام، فإن بشار الأسد لن يصمد لعشرة أشهر.
 
وتستطيع اليوم أن تقرأ حقيقة الوضع في سوريا، ومخاوف النظام من الحصار الذي يرى فيه نهايته، ليس على صفحات الإعلام الرسمي، أو في تصريحات المسؤولين الحكوميين، وإنما على صفحات جريدة الأخبار اللبنانية المقربة من ميليشيا حزب الله مثلاً، والتي رسمت قبل يومين صورة مرعبة للحصار المرتقب على سوريا، إذ أنه لا يشمل البحر فحسب، وإنما جميع المعابر البرية، مع لبنان والأردن والعراق.
 
وقالت الصحيفة، إن أمريكا وبريطانيا، بدأت بوضع أبراج مراقبة على طول الحدود البرية بين لبنان وسوريا، ومثلها مع الأردن والعراق، هدفها منع أي عمليات تجارية مع هذه البلدان.

وكانت صحيفة الواشنطن بوست، قد كشفت يوم الأربعاء الماضي، عن طبيعة الحصار البحري الذي فرضته أمريكا على سوريا، وقامت جريدة الأخبار اللبنانية كذلك، بترجمة المقال، حيث قالت الصحيفة إنه تم التواصل مع جميع الدول المطلة على البحر المتوسط والقريبة من سوريا، وتزويدها بأعداد السفن المحملة بالنفط وجنسياتها ووجهتها، وفي حال تبين أن إحداها تريد التوجه إلى سوريا، فإنها سوف تلقى عقاباً عسيراً.

وأوضحت الصحيفة، أن آخر شحنة نفط استطاعت الوصول إلى سوريا، كان في الشهر الأول من العام الحالي، وليس كما يدعى النظام في الشهر العاشر من العام الماضي، وكان ذلك ضمن ناقلة نفط هندية تحمل نحو 70 ألف برميل من إيران، وقد جرى معاقبة السفينة على الفور، وهي بعد اليوم لن تستطيع الوصول إلى البحر المتوسط.

وعلى جانب آخر، تنشر وسائل إعلام النظام بشكل شبه يومي، أخباراً عن شحنات نفطية في طريقها إلى سوريا أو عن استعداد دول لتزويد سوريا بالنفط، مثل القرم. أما في وسائل الإعلام الروسية، فإنك تقرأ عن تحركات لمسؤولين روس باتجاه السعودية، وتوافقهم مع المسؤولين السعوديين على ضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن الخاصة بسوريا، وبالذات القرار 2254، الذي يقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي تقود البلاد إلى السلام.

ويرى مراقبون، أن السعودية استطاعت في الآونة الأخيرة أن تمسك بالملف السوري، وأصبحت وجهة صالحة لكل من يريد أن يبحث في مستقبل هذا الملف، مستفيدة من توافقها التام، مع وجهة النظر الأمريكية الإسرائيلية، بضرورة إخراج إيران من سوريا بأي ثمن.

ويتوقع هؤلاء المراقبون، أنه إذا استمرت إيران في رفض الخروج، فإن السعودية سوف تقوم بتشكيل قوات عربية برية، للقيام بهذه المهمة على الأرض، وهو ما بدأت تتضح معالمه من خلال تحركات المسؤولين العراقيين والإيرانيين، الذين توجهوا إلى السعودية وتركيا، في محاولة لعقد صفقة تفاهم قبل أن تتفاقم الأمور.

وسط كل هذا الضجيج الذي يجرى حول سوريا وعلى حدودها، فإن أسوأ الخيارات بالنسبة لبشار الأسد، هو الحصار فقط، والذي سيدفع ثمنه الشعب السوري حكماً، لكنه على ما يبدو لا يشعر بالخطر على كرسيه وحكمه.. وفي موقف يشبه من فقد عقله وصوابه، فهو يدفع أجهزة مخابراته، لتكثيف الدعاية له ولباقي أسرته، وتصوير الحصار القادم على سوريا، بأنه استمرار للمعركة التي يخوضها ضد المؤامرة الكونية، وأنه سوف ينتصر عليها كما انتصر على الأرض.

وتوحي تصريحات مسؤولي النظام وتحركاتهم، بأنهم لن يفكوا ارتباطهم بإيران مهما حدث، وأنهم ماضون معها حتى لو انتهى الأمر بموت الشعب السوري كاملاً.

إلا أنه على الأرض، لا يمكن النظر للأمور من هذه الزاوية، لأن التحركات الأمريكية لإخراج إيران من سوريا، جادة جداً، وهي لن تنتظر كثيراً مثلما فعلت مع العراق.. وإذا كان صدام حسين قد احتاج إلى عشرة أعوام لكي يتحول إلى حمار ميت، فإن بشار الأسد هو حمار ميت منذ خمسة أعوام على الأقل، وقد حان الوقت لرفسه الآن..
 

ترك تعليق

التعليق