كيف يستثمر نظام الأسد في أنقاض الأبنية المدمرة؟


الاستثمار في المناطق المدمرة وإعادة تدوير "مخلفات الحرب" التي سببتها آلة النظام العسكرية، هو العنوان الأبرز لما يدور خلف الكواليس في المناطق التي استعاد نظام الأسد السيطرة عليها، أو ما تسمى بمناطق التسويات والمصالحات.

مصادر مطلعة أشارت إلى أن نظام الأسد بدأ يوجه أنظاره للاستفادة من الأنقاض والاستثمار بها، لافتين الانتباه إلى أن "الأنقاض أو الردميات" تعتبر مهمة، كونها تحوي على الحديد والأخشاب والتراب، واصفين إياها بأنها "منجم ذهب خفي".

وكان بشار الأسد أصدر القانون رقم 3 لعام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها.

وأوضح القانون أن المقتنيات الخاصة يقصد بها كل مال منقول قابل للاقتناء أو الاستعمال أو الاستثمار، أو الاستغلال أو التصرف به كالأثاث أو الفرش أو الأشياء الأخرى، أما الأنقاض فيقصد بها مخلفات الأبنية المتهدمة بما تحتويه من مواد داخلة في البناء أو الإكساء، وما لا يصلح كمقتنيات خاصة أو لم يثبت لها مالك، في حين يقصد بالمباني المتضررة المباني المتهدمة بسبب العوامل الطبيعية أو غير الطبيعية، أو بسبب خضوعها لأحكام القوانين النافذة التي تقضي بهدمها سواء كانت تشمل منطقة عقارية بكاملها أو عقاراً أو مقسماً.

ويرى مراقبون، أن هذا القانون ما هو إلا تمهيد للاستفادة من الثروات الناتجة عن ركام وأنقاض الأبنية المدمرة، وإعطاء الضوء الأخضر لأصحاب الشركات ورؤوس الأموال الضخمة التي تتبع للنظام بشكل مباشر أو غير مباشر للاستثمار في مخلفات الحرب وتطويعها لصالحها.

وفي وقت أكد فيه وزير الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام المهندس "حسين مخلوف"، أن أهمية القانون رقم 3 لعام 2018 تنبع من كونه يشكل حلقة أساسية في مرحلة إعادة الإعمار والبناء. بدوره، قال الكاتب "غازي دحمان" في مقال نشر له على موقع "العربي الجديد"، في 7 أيار/مايو 2018: "إن ما يعني الأسد، ويستعجل القيام به، إعادة الإعمار، لإدراكه أن الثروات يمكن جنيها في حالتين، دمار حضارة أو تشييد حضارة. وهو أنجز المرحلة الأولى، وكسب ما كسب، والآن يجهّز للمرحلة الثانية، التشييد".

ومنذ العام 2012، وبحسب مصادر اقتصادية مطلعة، استجلب مجموعة من التجار المحسوبين على النظام "كسارات" للبيتون والأبنية من أجل إعادة تدوير الأنقاض، في محاولة من النظام لتطويع الثورة السورية لتحقيق أهداف خاصة به تكمن في طرد الناس من بعض مناطق العشوائيات السكنية، والتي كان يطمح لإقامة مشاريع استثمارية فيها والتي توقفت بسبب التكاليف الضخمة، إلا أنه وجد تلك الفرصة عقب اندلاع الثورة.

ويعد الحديد والنحاس وبقايا المواد العضوية التي تستخدم لصناعة الأوراق والأخشاب المضغوطة من أهم ما تحويه تلك الردميات الاسمنتية أو الأنقاض، إضافة للنفايات المعدنية الناتجة والتي هي بقايا المواد الموجودة في الأبنية مثل: البرادات، الغسالات، السيارات، حطام الأسلحة العسكرية، وفوارغ الأسلحة العسكرية.

ويطمح النظام اليوم لإعادة تشغيل معامله الصناعية من الحديد الناتج عن الأنقاض وأهمها "معمل حمشو" الموجود في منطقة عدرا وفي حماة إضافة لعدة معامل تم إنشاؤها، بحيث تقوم بصهر هذه المعادن وإعادة استخدامها من جديد للاستفادة في مشاريع البناء الاستثمارية، كونها تعد أرخص ثمناً وتوفر مبالغ مالية خاصة في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على النظام، لذلك يعد الحديد من أهم المنتجات التي يمكن الاستفادة منها محلياً.

وأيضا تعتبر "الردميات" من المواد الهامة التي يستفيد منها النظام في انشاء وفتح الطرقات وإقامة أساسات المشاريع، خاصة وأن معظم مشاريع الشركات الكبرى التابعة للنظام، تحتاج لكتلة ضخمة من الحديد ومن الردميات.

وعلى الرغم من الحرب الدائرة في سوريا منذ عام 2011، إلا أنه لا يوجد احصائيات دقيقة عن حجم "الردميات" في سوريا. وكانت صفحات وشبكات إعلامية موالية للنظام نقلت عن مدير الشركة العامة للطرق والجسور "لؤي بركات" في العام 2016 قوله: "إن الأنقاض ومخلّفات البناء التي تسبّب بها الدمار في سورية، تقدّر حالياً بنحو 30 مليون طن"، لافتاً إلى أن الجدوى الاقتصادية تكمن في استخدامها واستثمارها بمكانها ذاته، وليس بترحيلها ونقلها.

وأضاف، أن التحدي هو باستخدام أكبر كمية من هذه الأنقاض، المقدّرة بملايين الأطنان، حيث يُستثمر منها 70% فقط وليس كامل الكمية.

ولفت "بركات"، إلى أن ملف إعادة الإعمار سيموّل ذاته بذاته، إذ سيكون للمقاولين دور أساسي في ذلك، مع توزيع الفرص دون احتكار، بحسب ما نقل عنه.

وفي هذا الصدد قال الباحث الاقتصادي "يونس الكريم": "يوجد أرقام تقريبية أن 60% من كتلة البناء في سوريا أصبحت أنقاض".

وتابع في حديثه لموقع "اقتصاد": "لو أجرينا نظرة مبدئية، كمؤشر لحجم الردميات استئناساً، فنجد أن هناك 22 مليون نسمة من عدد سكان سوريا تقريباً قبل الثورة، فكل شخص يحتاج لتسعة أمتار من البناء كحد أدنى وفق المعايير الدولية، وبالتالي لو ضربنا تسعة أمتار بـ 13.2 مليون نسمة والتي هي 60% من الـ 22 مليون نجد أن الرقم يقارب من 119 مليون متر مكعب من الردميات وهو رقم ضخم جداً، حيث تتوزع الردميات بين حديد وأثاث وأوراق واسمنت وإلى ما ذلك".

 وأضاف، أنه حتى الآن لم يسمح النظام بشكل كلي لأي شركة للاستثمار في موضوع "الردميات"، إنما تم السماح بشكل جزئي لبعض المتنفذين بالعمل بهذا المجال، وأشار إلى أن مناطق المعارضة سابقاً خلال فترة الحصار بمناطقها، أُجبرت على العمل لأجل هؤلاء المتنفذين بشكل غير رسمي من خلال استجرار النحاس من الكابلات ومن ثم يتم بيعها لهم مقابل حصص غذائية لتتحول فيما بعد إلى تجارة تديرها المليشيات العسكرية من كلا الطرفين. أما النفايات البلاستيكية فكانت تستخدم كنوع من أنواع الوقود للتدفئة عليها.


وتابع بالقول: "بعد أن توقفت المعارك تطور الأمر الآن إلى جمع الحديد وبيعه لتجار (الخردة) كحلقة وسطى ليعاد بيعه إلى معامل صهر الحديد كالمعامل الموجودة في (عدرا وحماة) على سبيل المثال وهم من متنفذي النظام، أما ما يزيد عن حاجة المعامل فإنه بات يصدر إلى الأردن التي تحوي مناطق حرة بمنطقة (الزرقاء)، والتي تجمع هذا (السكراب) من العراق وسوريا، إضافة إلى السكراب الناتج عن السيارات المدمرة والأسلحة العسكرية وكل ما هو حديد، بعدما تم فتح معبر نصيب الحدودي".

أما الردميات والأتربة والإسمنت فهي مهمة جداً لأجل قمصان الطرقات الجديدة التي يراد فتحها أو إصلاح القديمة، فضلاً عن استخدامها بأساسات المشاريع الجديدة.

واليوم يفرض النظام على الأهالي للعودة إلى منازلهم، إزالة الردميات على حسابهم، وبالتالي هم بحاجة إلى شركات لتوفير المعدات وعمال وأماكن إلقاء الردميات، وهو ما يشكل فرصة عمل جديدة لمتنفذي النظام الاقتصاديين، وهذا سيكون بمثابة عقود ثمينة للشركات الخاصة والتي تحمّل السكان تكاليف إزالة هذه الردميات.

ويصف الباحث الاقتصادي "يونس الكريم" هذا الأمر، بأنه "ذهب خفي" للشركات التابعة للنظام، فالنظام يتخلص من عبء إزالة الأنقاض من جهة، ويستفيد مالياً من جهة أخرى بتحميل السكان الأجور لإزالة الأنقاض ثم بيع الأنقاض بعد فرزها.


ترك تعليق

التعليق