المشافي، "مسالخ ومتاجر" في منبج.. واتهامات لـ "قسد" بالمسؤولية


يشتكي سكان مدينة منبج، شرقي حلب، والواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، من انتشار الأخطاء الطبية في المشافي العاملة في المدينة، واصفين ما يجري بأنه جرائم طبية بحق المرضى والمراجعين.

وذهب بعضهم لوصف مشافي منبج بـ "المسالخ" لكثرة الانتهاكات المرتكبة والتي يرصدها المتابعون والمهتمون بالشأن المحلي للناس، معتبرين في الوقت ذاته أنه طالما قوات "قسد" متواجدة في منبج فمن المستحيل محاسبة أي مشفى، كونها تدفع الضرائب بشكل نظامي لتلك القوات إضافة للرشاوى، كما أن لكل مشفى مسؤول من "قسد" لحمايتها.

وذكرت ذات المصادر، أن غالبية الكوادر العاملة في تلك المشافي من غير المختصين، يضاف إليهم كوادر تحمل شهادة تمريض بعد اتباعها دورات تمريض مدتها شهر واحد فقط.

وقال أحد السكان لموقع اقتصاد: "في مشافي منبج تجد 80% من الممرضين حاصلين على شهادة تمريض واليوم باتوا (نصف دكاترة)، أما الأطباء لا تراهم إلا لبضع دقائق ولا أحد يجرؤ على الحديث معهم، ولا أحد يعرف ما هي الشهادات التي يحملونها ومن أي جامعة حصلوا عليها، كون أغلب الأطباء الذين يتعاقدون مع المشافي الخاصة بمنبج من خريجي جامعات روسيّة، ومن المحتمل أن يكون الكثير منهم، ممن يشتري الشهادة دون دراسة أو تخصص، ويقوم بتعديلها لدى وزارة الصحة في دمشق".

 وتابع: "لو افترضنا أنك تريد إجراء عملية ما، فإنهم يقومون بكتابة وصفة طبية تحوي على جميع الأدوية التي تلزم العملية إضافة لأدوية التخدير"، مبيناً أن 90% من الأدوية يجب عليك شراؤها من صيدلية المشفى أو الصيدلية الوحيدة القريبة من المشفى والتابعة أيضاً للمشفى.

وأضاف، أنه وبعد انتهاء العملية بعدة أيام تفاجئ بقيمة الفاتورة المفروضة عليك والتي تشمل "المنامة، والأدوية، والصور، والتحاليل، والعملية"، مبيناً أن مشافي منبج لا تقدم للمريض أي "إبرة" وكل الأدوية يشتريها المريض وفوق ذلك كله يقوم بالدفع مرة أخرى ثمن الأدوية بناء على فاتورة المشفى.

وسُجّل في هذا العام بحسب الناشط "عبد المنعم العبد" أحد سكان مدينة منبج، أربع حالات أخطاء طبية. وقال الناشط: "أربع حالات أخطاء طبية تم تسجيلها منذ بداية العام الحالي، وتم فضحها على الملأ، بالمقابل هناك حالات حصلت ولم يكشف عنها أهالي المرضى بسبب السطوة الأمنية عليهم، خاصة أن أغلب الأطباء الذين تسببوا بذلك هم من المشافي التي تشرف عليها (قسد) وجميع كوادرها من الأكراد".

وضرب "العبد" مثلًا حول أحد لأخطاء التي حدثت وقال لموقع "اقتصاد": "إن أحد أطباء العظمية العاملين في مشفى (الحكمة) الخاص، نسي قطعة شاش داخل جسم شخص جريح ومتعرض لكسر بين الكتف والساعد، وبقي المريض يتألم ويلتهب عليه الجرح وينزف ويخرج منه (القيح)، وبقي على تلك الحالة لمدة سنة دون أي فائدة من أدوية الالتهاب، وبعد اكتشاف الجسم الغريب (الشاش) داخل جسده تم سحبه".

وعند مراجعة المريض للطبيب، أنكر الطبيب ارتكابه للخطأ، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء زيارة المريض والاطمئنان عليه أو طلب السماح والصفح من المريض، حتى أنه لم يتم تعويض المريض عن أدوية الالتهاب التي تكلف بها طيلة سنة كاملة دون جدوى.

وأضاف "العبد" أن المريض اضطر للسفر إلى مدينة دمشق لتلقي العلاج وأعاد توصيل العظم المكسور وتم تركيب الصفائح له، وهو الآن بحالة جيدة قياساً لما تعرض له سابقاً من أذىً نفسي وجسدي ومادي.

وتعد قلة الخبرة إضافة للجشع والطمع من أهم الأسباب التي تقف وراء الأخطاء الطبية التي تشهدها مشافي منبج العامة والخاصة، يضاف إلى ذلك أن أغلب الأطباء الموجودين لم يختصوا ويتدربوا وبدأوا بمزاولة المهنة من خلال فتح عيادات خاصة، إضافة لاستقطابهم للمشافي الخاصة، بالتنسيق مع مسؤولي تنظيم "قسد".

وأوضح "العبد" أن هناك العديد من الممرضين لم يدرسوا مهنة التمريض، وإنما من خلال دورات تدريبية بسيطة أجريت لهم ومن ثم تم رفدهم للمشافي الميدانية والخاصة والعامة، لافتاً في الوقت ذاته إلى غياب الجهات الرقابية التي لا تكترث سوى بجمع المال من المستشفيات والصيدليات من خلال الضرائب والرسوم ولا يهمها سوى ذلك، وهذا سببه أيضاً عدم وجود الحس الإنساني والمهني وقلة الخبرة بهذا الخصوص، على حد وصفه.

ووصف المصدر ذاته المشافي الخاصة في منبج بأنها "متاجر بكل معنى الكلمة ولا يهمها سوى المال وعدم العناية بالمرضى، إلا إذا كان هناك طبيب من خارج المشفى ولديه ضمير قد يحول المريض وبطريقة غير مباشرة إلى عيادته ليتم علاجه دون دفع تلك التكاليف الباهظة".

وتابع: "لا يخلو الأمر من أصحاب الضمير في أوساط بعض الأطباء".

وحول أهم المشافي العامة العاملة في المدينة بيّن "العبد" أن المشفى العام الوحيد في المدينة هو المشفى الوطني أو "الفرات" حالياً، وهذا المشفى تحول إلى مشفى عسكري منذ دخول تنظيم "قسد" إلى المدينة واستغلاله بشكل تام من قبل التنظيم، ويستخدم لعلاج الجرحى العسكريين التابعين لـ "قسد".

ويتراوح وسطي أجور العمليات بين 70 ألف ليرة سورية و250 ألف ليرة وذلك حسب العملية الجراحية والمشفى الذي ستجرى فيه.

ومن أهم المشافي الخاصة العاملة في المدينة مشفى بركل، ومشفى أحمد بالي المعروف بمشفى الأمل، إضافة لمشفى الحكمة، والمدينة، ومنبج التخصصي، وخشمان، ومشفى تشرين.

وأوضح أحد المصادر ويدعى "أبو سلطان" وهو اسم مستعار، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: "لا يوجد رقابة على أسعار العمليات بين الأطباء، في حين أن تسعيرة العمليات كيفية، فقد وصلت تكاليف إحدى العمليات إلى 2000 دولار أمريكي والتي أجراها أحد أطباء العظمية بسبب عدم وجود البديل، في حين أن أبسط عملية تكلفتها 200 دولار".

وأشار في حديثه لـ "اقتصاد"، إلى أن أغلب الناس لا تستطيع الذهاب إلى مناطق النظام أو إلى المناطق المحررة، وبالتالي تنامى القطاع الطبي الخاص وأصبح تجارة، حتى أن إحدى المشافي الخاصة التي افتتحت حديثاً يديرها شخص لا علاقة له بالمجال الطبي وهو مجرد مستثمر، وحصلت فيها عدة أخطاء طبية منها الحالة التي نسي فيها الطبيب قطعة شاش في جسم أحد المرضى، وحالة أخرى تم تشخيص ما تعاني منه بشكل خاطئ، فبعد أن كانت تعاني من "التهاب في اللوزات" تحول الأمر لمرض مزمن وتم نقل الشخص بعد فترة إلى دمشق لتلقي العلاج ليكتشف الأطباء هناك حجم الكارثة.

ويعاني القطاع الطبي العام في مدينة منبج من قلة الخدمات ونقص الكوادر الطبية المختصة في إجراء العمليات الجراحية ما يدفع المريض للذهاب إلى المشافي الخاصة لتلقي العلاج رغم التكاليف الباهظة، في حين أن تفعيل القطاع الخاص يعود بالفائدة على قوات "قسد" بسبب فرضها للضرائب والرسوم على هذا القطاع.

 

ترك تعليق

التعليق