على أنغام قطرات البنزين.. أحلام في عاصمة الياسمين


إثر إشاعة ارتفاع أسعار المحروقات، انطلق "أبو بسام"، القاطن في حي الدويلعة بدمشق، صباح 7 نيسان، في رحلة البحث عن البنزين متنقلاً بين محطةٍ وأخرى لتعبئة خزان سيارة الأجرة التي يملكها، بالبنزين اللازم لتشغيلها.

توقعت غرفة تجارة دمشق أن يشهد العام 2019 ارتفاعاً بسعر صرف الليرة السورية وتوسيع القاعدة الاقتصادية وتسريع الإنتاج السلعي الزراعي النباتي والحيواني والصناعي، التحويلي والمهني والحرفي والدوائي والغذائي والنسيجي.

هذا ما قالته الغرفة قبل عاصفة أزمة الوقود الأخيرة بساعاتٍ قليلة، واتخذته وسائل الإعلام الرسمية والشبيهة، عنواناً رئيسياً لها، في محاولة واضحة للسير عكس التيار، عبر أمنياتٍ بريئة أو عقاقير تخديرية مؤقتة.

أبعد من ذلك، فقد توقعت مصادر شبه رسمية أخرى، نمو استثمارات القطاع العام من الناتج المحلي عبر اعتماد منهج اقتصادي تنموي متوائم مع القطاع الخاص من خلال إقامة مشاريع اقتصادية صغيرة ومتوسطة بغية الإسراع بعملية الإصلاح الإداري لتواكب ما يسمونه -"في عاصمة الظلام"- الإصلاح الاقتصادي، وتعميق الاستثمار في الموارد البشرية والعمل على جعلها عنصر قوة للاقتصاد السوري!

لكن.. فُقدت المحروقات من الأسواق والمحطات، ولم يُدرك "أبو بسام" البالغ من عمره 59 عاماً، أنّ احتكار 200 ليتر بنزين لا تكفيه ليومين في أزمةٍ عابرة، وحتّى لو علم مسبقاً لما استطاع احتكار كمية أكبر جراء سوء وضعه الاقتصادي كونه ينتمي لأصحاب الدخل المحدود المتفوقة قليلاً على طبقة المعدومين.

العقوبات الأوروبية والأمريكية على نظام الأسد تُعد أبرز أسباب فقدان المحروقات، يُضاف إليها دائرة الفساد المحمية من فروع الأسد الأمنية في عمق المدن وعبر الحدود، ناهيك عن إعلان قانون سيرز المرتقب.

وبالرغم من إصابته بمرض "الديسك"، يحاول "أبو بسام" من خلال عمله سائقاً، تأمين قوت يوم عائلته المكونة من أب وأم وخمسة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 16 عاماً. غادر مدينة دير الزور في العام 2013 هارباً ولاجئاً إلى العاصمة التي تمتاز بالأمان نسبياً، حسب وصفه.

الواقع المحتوم يُعلّق.. ماذا تعني خسارته لثلاثة منازل ورثها عن والده في مسقط رأسه واستئجاره منزلاً في دمشق بمبلغ 75 ألف ليرة سورية شهرياً أمام دمار حوالي 4 ملايين و100 ألف وحدة سكنية بشكل كلي وجزئي؟.. وما قيمة خسارته لشابين إثر العمليات العسكرية مُقارنةً بمقتل أكثر من 500 ألف سوري منذ العام 2011؟.. وما جدوى حديثه عن خسارته لثلاث سيارات شاحنة كان يستثمرها في شحن البضائع من وإلى المحافظات أمام خسائر قطاع المواصلات البالغة 4.5 مليون دولار أمريكي؟.. وما فائدة الألم جراء الفقر طالما أن الناتج الإجمالي المحلي بات أفقراً بعد تدنيه من 60 مليار دولار عام 2010 إلى 15 مليار نهاية العام 2018 بحسب "البنك المركزي"؟.. وما نفع صراخه الناتج عن الديسك طالما أن القطاع الصحي خسر 50% من موارده؟.. وأين المشكلة في أن تستدين القليل من المال يا "أبو بسام" إن كانت "الحكومة" تبيع طرطوس وغيرها لتغطية عجزها وسداد دينها العام من الناتج المحلي بنسبة 150% بعد أن كان 30 % سابقاً؟.. وما المانع في أن تقتصر اقتصادك على الحاجات الأساسية بما أنّ "الحكومة" القدوة لا تتعدى ذلك منكفئةً في محاولة تأمين أبسط أمور المعيشة بطرقٍ بدائية؟!

بالرغم من نفيها، أصبحت الإشاعة حقيقة، وأثناء رباط "أبو بسام" بين طوابير المنتظرين في محطات الوقود قدمت له إحدى الناشطات في "المجتمع المدني" صحيفةً "يتسلى بها" لتخفف عنه عناء الانتظار، وكان معنونٌ في رأس صفحتها الأولى، ارتفاع سعر ليتر البنزين رسمياً إلى 600 ليرة بعد سعره السابق 225 ليرة فقط، وتحديد بيع 20 ليتر فقط لسيارات الأجرة كل 48 ساعة.

بلغت خسائر القطاع النفطي في سوريا بحسب بيانات "رسمية" 47.2 مليار دولار. وتحتاج سوريا يومياً من 100 إلى 135 ألف برميل خام. وإضافةً للمواصلات تدخل المحروقات في استخدامات عديدة "تجارية وصناعية ومنزلية" لا سيما مع استمرار انقطاع  الطاقة الكهربائية لساعات طويلة.

وتعرضت سوريا لأزمة مُشابهة في مطلع العام 2017 خرجت منها نتيجة استيراد المحروقات من إيران بشكل كثيف.

"أبو بسام"، لا يجيد الرقص ولا يفقه الاندماج في حلقات الدبكات الدائرة، اعتزل قراءة الصحف حتى لا يتلقى صدمةً جديدة، فضّل قضاء وقت الانتظار بالتفكير، مُتذكراً أعباءه المادية، أجرة المنزل، المتطلبات المعيشية الأساسية، تكاليف علاج "الديسك"، دون أن يغفل أن آل الأسد ومخلوف لوحدهم يملكون 200 مليار دولار كما تقول صحف أجنبية، في ذات الوقت تبخرت توقعات غرفة التجارة وباتت هباءً منثوراً، وفرضت الأحلام ذاتها "من كل الجوانب" على أنغام قطرات البنزين في عاصمة الياسمين.

ترك تعليق

التعليق