درس فيها السادات والشيشكلي.. سيرة "الثانوية الزراعية" بالسلمية


تُعد الثانوية المهنية الزراعية في السلمية (30 كم شرق حماة)، أول مدرسة زراعية تأسست في سوريا، وثالث مدرسة زراعية في الوطن العربي بعد مدرسة "الدرسخانة الملكية" في مصر (1830م)، و"المدرسة الخضيرية" في فلسطين. إذ يعود تأسيسها إلى عام 1910.

 وكانت هذه المدرسة قبلة الدارسين ليس من داخل سوريا فحسب، بل من الدول العربية المجاورة كالعراق وفلسطين والأردن ولبنان، حيث درج على مقاعدها الكثيرون ممن ساهموا في تدعيم النهضة الزراعية في المنطقة، إضافة إلى وصول البعض منهم لمواقع هامة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في بلدانهم.


وتحتفظ ردهات وجدران المدرسة الواقعة في الجهة الغربية من المدينة بلوحات تذكارية لبعض أسماء من درسوا وتخرجوا منها من أقطار الوطن العربي ومنهم الرئيس المصري الراحل "أنور السادات" والرئيس السوري السابق "أديب شيشكلي" والكاتب "محمد الماغوط" والشاعر "أحمد الجندي" وكان لهذه الشخصيات أثر كبير في إشهارها.

وتشير معلومات مدونة على لوح تذكاري في بهو المدرسة الرئيسي إلى أنها أُنشئت عام 1908 على أرض تعود ملكيتها للسلطان محمد شاه (أغا خان الثالث) بن أغا علي شاه الذي توفي عام 1957. وافتتحت أبوابها عام 1910 لتكون من أولى المدارس الزراعية التي نشأت في المشرق العربي تلك الفترة، واستمرت إلى حين اندلاع شرارة الحرب العالمية الأولى، حيث أتى الحريق الذي شب في الثانوية على كل موجوداتها، وتحديداً في الفترة الممتدة بين عامي 1910 و1919 -كما يروي الرحالة "وصفي زكريا" في كتابه "جولة في بعض البلاد الشامية"- وهو مهندس زراعي تولى إدارة الثانوية بين عامي (1918 – 1923) وكان يشارك في تأليف الكتب ووضع البرامج الدراسية للطلاب. ووصف زكريا المدرسة في كتابه المذكور بأنها "مصدر رقي السلمية الثقافي والزراعي، ناهيك عن نفعها لبقية بلاد الشام، التي كانت ترسل أبناءها للاغتراف من ينبوعها".


في عام 1930 صدر قرار بإغلاق المدرسة وتخرجت آخر دفعة عام 1933 وفي العام 1933 ذاته أُحدث فيها صف لدار المعلمين الريفية تابعاً لوزارة المعارف واستمر حتى عام 1937 وفي ذلك العام تحولت المدرسة إلى محطة تابعة لمصلحة "سفاد" الخيول العربية بغية الحصول على السلالات الجيدة منها، وقام جيش الاحتلال الفرنسي بعدها باحتلال أبنيتها وتحويلها إلى مستودعات لتخزين الحبوب التي يتم مصادرتها من الفلاحين، واحتلت أبنيتها "الميرة"-المسؤولة عن إطعام الجيش الفرنسي- واستمر وضعها على هذا الحال حتى العام 1943، وأعيد افتتاح المدرسة الزراعية بموجب المرسوم 101 بتاريخ 9/10/1943 كمدرسة عملية مدة الدراسة فيها سنتان، وفي عام 1947 أصبحت مدرسة متوسطة زراعية بموجب المرسوم 403 تاريخ 2/4/1947 وتخرجت منها أول دفعة تحمل الإعدادية الزراعية عام 1950.

وكانت الدراسة فيها تقتصر على الذكور فقط ورغبة من وزارة التربية في تشجيع التعليم المهني للإناث أفسحت المجال أمام الإناث للانتساب إلى المدرسة الزراعية وكانت أول دورة في السلمية عام ( 1984- 1985). وتشير المصادر التاريخية إلى أن المدرسة "كانت توفر الإقامة للطلاب من الأماكن البعيدة ممن يتعذر عليهم الذهاب والحضور إلى المدرسة يومياً والطلاب الوافدين من الأقطار العربية والأجنبية فتؤمن لهم المبيت فيها مقابل أجر مقداره (25) ليرة شهرياً، فيما يتقاضى كل طالب شهرياً مبلغاً بقيمة 400 ليرة بدل إطعام وتعويض باعتبار أن النظام أصبح خارجياً".


ولفت طالب سابق في المدرسة فضل عدم ذكر اسمه لـ"اقتصاد" إلى أن الثانوية الزراعية حافظت على اسمها كأعرق مدرسة زراعية، وأضحت علامة فارقة في تاريخ التعليم في سوريا، وصرحاً معرفياً بارزاً ومنهلاً علمياً قل نظيره في النصف الأول من القرن العشرين.

 وأردف محدثنا أن مناهج المدرسة كانت منصبة على الدراسة العملية أكثر من الدراسة النظرية، إذ كانت تضم إضافة للجانب النظري في التدريس مرافق للتعليم العملي ومنها حظائر لتربية الأبقار والأغنام والأرانب، وأماكن خاصة لتربية كافة أنواع الطيور كالدجاج والبط والطاووس وطائر الحجل.

وروى محدثنا الذي التحق بالمدرسة عام 1974 أن الثانوية الزراعية كانت تنتج محاصيل زراعية من خضار وعنب ولوز، بالإضافة إلى الألبان ومشتقاتها التي كانت تباع للمواطنين بأسعار مخفضة. لكن اليوم وبسبب اقتطاع أجزاء واسعة من أراضيها وتحويلها إلى مرافق خاصة بالدولة مثل فرع أمن الدولة ودائرة المياه والمركز الزراعي ومدينة ملاهي ونادي رياضي، قل إنتاجها.


ولفت محدثنا إلى أن الأول على الثانوية كان يحق له الالتحاق بكلية الهندسة، أما الحائز على المرتبة الثانوية فيحق له الدراسة في معهد الغابات والمراعي التابع لجامعة الدول العربية وشهادته معترف بها دولياً، أما خريج الثانوية فيصبح مراقباً زراعياً في الدوائر التابعة لوزارة الزراعة، بالإضافة إلى عدد من المعاهد التي يحق لطالب الثانوية الزراعية الدراسة فيها ومنها "معهد المكننة الزراعية"و "معهد البيطرة" و"معهد المتوسط الزراعي بحلب" و"معهد الصناعات الغذائية".

وبعد اندلاع الحرب في سوريا، تم إنشاء مركز لإيواء اللاجئين في الثانوية الزراعية عام ٢٠١٤ وافتتح فيها كليتا الهندسة الزراعية والمدنية، وروى محدثنا أن متظاهري المدينة قرروا عام 2011 انتزاع صور "بشار الأسد" من المدينة وإحداها كانت مرفوعة على مدخل الثانوية الزراعية مع صورة الإمام "كريم شاه" إمام الطائفة الاسماعيلية، وحينها حاول النظام-بحسب المصدر- استغلال الحادثة للتجييش الطائفي إلى أن تدخل المجلس الأعلى الاسماعيلي وقام بنزع الصورة.


وبدوره أكد "أبو اسماعيل السلموني"-اسم مستعار- أحد خريجي المدرسة لـ"اقتصاد" أن الثانوية لم تتأثر بأحداث الحرب الجارية لأنها كانت بعيدة نوعاً ما عن المعارك ولذلك لم تتوقف الدراسة فيها، وما حصل –كما يقول- أنه تم نقل مركز تصحيح الشهادة الثانوية من سلمية إلى اللاذقية نظراً لخروج عدة مدارس في القطر عن الخدمة وخاصة في الرقة وإدلب ودير الزور، مشيراً إلى أن "تصحيح أوراق الشهادة الثانوية كان يجري في السلمية منذ أكثر من خمسين عاماً حيث يجتمع المدرسون من كافة مدارس القطر في مركز تصحيح سلمية".

وحول المناهج التدريسية التي يتلقاها طلاب المدرسة أوضح محدثنا أن المدرسة تدّرس كل ما له علاقة بالزراعة كالـ "البستنة الشجرية "و"المحاصيل الحقلية" و"نباتات زينة" و"الغابة" و"تربية النحل"و"آلات زراعية" و"الري" وحشرات" وآفات زراعية إضافة لمواد اللغة العربية والأجنبية والثقافة والتربية الإسلامية والمحاسبة والكيمياء. ويوجد في الثانوية-كما يقول- مبقرة ومدجنة وغابة صنوبر ومخابر جيدة كـ (مخبر الكيمياء) و(مخبر الحشرات). والآن تم تخصيص قسم منها لكلية الزراعة والعمارة.


 ولفت محدثنا إلى أن عدد الطلاب قل حالياً مقارنة بالأعوام السابقة، وخاصة بعد افتتاح قسم للبيطرة في الثانوية عام ٢٠٠٩.

ونوّه السلموني إلى أن من أهم الصعوبات التي تعترض سير الثانوية الزراعية توظيف الخريجين، فالتوظيف فيها كسائر آليات التوظيف في سوريا (واسطات)، مشيراً إلى أنه تم نقل ٤٥ موظفاً من المدرسة في عام ٢٠٠٩ بحجة الفائض علماً أن من ضمن المنقولين-كما يقول- مدرسون لديهم خدمة تمتد لـ 20 عاماً وموظفون عندهم خدمة ربع قرن، وتم ذلك بحجج واهية ومحسوبيات.


ترك تعليق

التعليق