سياسة نظام.. أم أصبحت دمشق عاصمة للغش؟


"لن تصدق حجم الغش الذي يحصل هنا، وهذا ليس فقط على صعيد السلعة، ولكنك تشعر أنك مغشوش في كل ما حولك"..هكذا عبّر "أبو صلاح"، الستيني، ابن ريف دمشق، في اتصال مع "اقتصاد"، ووصف خشية الناس في مأكلهم ومشربهم على أنها فرصة لأولئك الحالمين بجني المال وزيادته أو الحصول عليه مهما كانت النتائج.

حكومة "صاحية"

تقارير مؤسسات حكومة النظام تشير إلى أنها تتابع كل عمليات الغش التي تطال المواطنين، وتسجل ضبوطاتها العقوبات التي أنزلتها بحق هؤلاء من إغلاق محلات أو تحويل أصحابها إلى القضاء.

"م . س"، من أحد سكان ريف دمشق، قال لـ "اقتصاد": "بعد شكاوى كثيرة على أحد المحال الذي يبيع بأسعار مرتفعة، وحضور دورية من حماية المستهلك تم إغلاق المحل لخمسة أيام ثم أعاد فتحه وعاد صاحبه إلى ما كان عليه".

محافظ دمشق منذ يومين أصدر مجموعة من قرارات الإغلاق حسب ما تم تسميته.. "الجهود المستمرة والمبذولة لضبط الأسواق ومتابعتها وفق الشروط الصحية من قبل عناصر ودوريات مديرية الشؤون الصحية في محافظة دمشق".. وهذه الكليشة هي ثابتة وتسبق أي قرار صادر عن المحافظة.

القرارات منها إغلاق مستودع مواد غذائية في منطقة القدم – دحاديل لمدة عشرة أيام لوجود مخلفات للفئران بشكل كبير في المستودع وعدم إبراز أية وثيقة صحية.

أيضاً اشتملت القرارات على إغلاق: "محلي بيع ألبان وأجبان ومحل فروج ني لمدة ثلاثة أيام في منطقة الشيخ محي الدين – سوق الجمعة لمخالفته التعليمات الصحية وعدم إبرازه الوثائق الصحية ومحل ألبان وأجبان في منطقة الزبلطاني لمدة ثلاثة أيام لاستخدام بلاستيك ملون لحفظ مادة الزيتون".

أسواق للغش

لطالما كانت الشكوى من انتشار الغش علانية في أسواق دمشق، ولكن هذا لم يستدعي تدخل المحافظة الكريمة أو مؤسساتها العاملة في حقل حماية المستهلك.

"ع . غ"، من سكان دمشق، يقول لـ "اقتصاد": "منذ حصار الغوطة الشرقية وانقطاع الحليب عن العاصمة على اعتبار أنها أول مصادره لم يعد هناك مشتق من هذا المادة بمذاقة وجودته باستثناء ما يصلنا من القنيطرة على قلته، وهذا أدى إلى انتشار (اللبنة المغشوشة) بالبودرة او السبيداج السام، وهذا استمر حتى بعد عودة بعض مدن الغوطة ومزارعها".

أخطر التجاوزات هي التواطؤ الحاصل بين مؤسسات النظام ومجموعات الغش القائمة صغيرة كانت أم كبيرة، وهذا بسبب التعاطي بالرشا بين طرفي المعادلة، وبالتالي ترك المواطن ضحية وحيدة في مواجهة الغش والفساد.

"أبو خالد"، من سكان الريف الغربي للعاصمة، يروي آلية التعاطي المفضوحة تلك: "وقاحة الغشاش في أنه ليس فقط يعود إلى الغش مرة أخرى ولكن ثقته بأن أحداً لن يحاسبه، وأن الإغلاقات ليست سوى مجاملة للمواطن، وثمنها معروف بين مؤسسات الحماية، فالموظف جوعان ومستعد لأن يرتشي".

غش.. و"وساخة"

في إعلامها عن مجموعة الإغلاقات قالت المحافظة: "إغلاق محل فروج ني في منطقة باب سريجة – شربيشات لمدة أسبوعين وإغلاق فرن في منطقة القنوات لمدة ثلاثة أيام لوجود قذارة عامة في الفرن وإغلاق محل لبيع المواد الغذائية بالجملة في منطقة حي الزهور لمدة عشرة أيام لوجود مواد غذائية مخالفة".

الملاحظ هنا أن معظم المخالفات هي ضمن أسواق رئيسية تشكل عصب التسوق المحلي للعاصمة، وأن الحلول لم تكن من ضمن القرار المعلن أي كإجراءات الحماية المطلوبة، وهذا يعني أن المخالف سينفذ العقوبة ثم سيعود إلى سابق عهده.

يعلق أحد السكان في العاصمة، على القرار الذي نشرته أكثر من صفحة محلية: "انو شو هي اغلاق محل تلت ايام اي وشو استفدتو بيرجع عالقذاره نفسا هدول لازمن اعدام بشي ساحه عامه مشان غيرن يتربو".. المطلوب بالنسبة للمواطن إجراءات حقيقية وواضحة وأكثر صرامة.

المواطن يشير.. ولكن؟

المواطنون في تعليقاتهم يشيرون إلى أماكن الغش التي باتت مفضوحة ومعلنة: "ياريت تلقو الضوء على القذارة في كراجات الست زينب لانو اوسخ من هيك مارح نشوف وفوضى غير طبيعية".

مواطنون أيضاً علقوا بالسخرية من هكذا عقوبات: "شفنا الوساخة ياريت نسمع عن العقاب المستحق.. هي عقوبه بالذمه.. يعني عنجد".

وهذه العقوبات الرادعة يدركها المواطن: "يا حماية المستهلك لو كان عندكون عقوبات صارمة وقاسية تصل لغرامات مالية بالملايين وسجن مدة طويلة ما كان حدا استرجا يغش ويلعب بالشعب".

سياسة نظام

يرى البعض أن النظام بشكله العاجز ترك الباب مفتوحاً أمام منظومات الفساد التي تشاركه السلطة والفساد، وأنه بذلك يحقق معادلة الوفاء من قبلهم دون النظر للآثار الكارثية التي تنعكس على المجتمع وصحته.

"م . س"، أحد سكان العاصمة، يقول لـ "اقتصاد": "هذه هي المعضلة كلهم شركاء في تسميمنا وافقارنا، والتاجر والدولة يريدون فقط أن يملؤوا جيوبهم، ولذلك يحاول التاجر اشعارك بأنه هو من يطعمك ويبقيك على قيد الحياة، وبالتالي يجب ان تصمت عن هذه التجاوزات.. ونحنا صامتون".

ترك تعليق

التعليق