اقتصاديات.. هل تستطيع إيران غلق مضيق هرمز؟


تهديد إيران بغلق مضيق هرمز، رداً على العقوبات الأمريكية، والتي تستهدف تصفير صادراتها من النفط، يشكل اليوم هاجس الكثير من الدول، التي يعتاش اقتصادها على النفط القادم من دول الخليج العربية.

وإذا كانت بعض الدول قد أعلنت استجابتها للطلب الأمريكي بوقف مستورداتها من النفط الإيراني، مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية، فإن هناك دول، لا يتوقع أن تستجيب، ولا تستطيع أمريكا أن تضغط عليها، كالصين مثلاً، وفي هذه الحالة هل تستطيع إيران غلق مضيق هرمز بالفعل..؟
 
يقول الكثير من الخبراء والمحللين، إن إيران لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تغلق المضيق، وإنما تستطيع أن تعطل الحركة التجارية فيه، عبر بعض الأعمال التخريبية، إلا أن ذلك سوف يكلفها ثمناً باهظاً، مستشهدين بحادثة في العام 1988، إبان الحرب العراقية الإيرانية، عندما قامت إيران، بضرب قارب أمريكي في المضيق، وإغرافه، فكانت أن ردت أمريكا، بضرب وإغراق أكثر من نصف الأسطول البحري الإيراني.

لذلك يرون أنه من الناحية العسكرية، وبسبب التفوق الأمريكي، فإن تفكير إيران بالاعتداء على أي من ناقلات النفط، سوف يكلفها ثمناً باهظاً، لكن ذلك بحسب قولهم، سوف يؤدي إلى تعطل الحركة التجارية في المضيق لفترة معينة، وبالتالي التأثير على إمدادات النفط العالمية، والتي يمر أكثر من 40 بالمئة منها، عبره.

وتخشى الكثير من الدول أن تؤدي الاضطرابات في المنطقة إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، إلى مستويات خيالية، قد تصل إلى 500 دولار للبرميل، غير أن الملفت للانتباه أن روسيا وأمريكا، هما المستفيدتان بالدرجة الأولى من ارتفاع الأسعار..
 
فبالنسبة لروسيا، فقد أعلنت ولأول مرة عن استعدادها لرفع إنتاجها من النفط إلى جانب السعودية، في حال حدث اضطراب في إمدادات النفط عبر مضيق هرمز.. مبررة هذا الإجراء بأنها بحاجة لتمويل العديد من المشاريع ورفع موازنتها، من خلال رفع إنتاجها النفطي..
 
كما تحدث الروس عن بدء استعداداتهم لحفر المزيد من آبار النفط وزيادة إنتاجهم اليومي بأكثر من مليون برميل، وضخه في الأسواق العالمية، بينما يشكل ارتفاع الأسعار في حال حدوثه نتيجة الاضطراب في مضيق هرمز، مدخلاً لتحقيق عوائد إضافية لروسيا، سوف تساعدها على النهوض باقتصادها.
أما أمريكا، فهي دولة لم تعد تستورد النفط، وتحقق الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى أن إغلاق المضيق سوف يشجع المستثمرين على استخراج النفط من الصخر الزيتي، المتواجد بكثرة في أراضيها، بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية، بينما في السابق، وبسبب انخفاض أسعار النفط، لم يتشجع أحد من المستثمرين على القيام بمثل هذه المشاريع، لفقدان الجدوى الاقتصادية من استخراجه، بسبب ارتفاع تكاليفه.

ومن جهة ثانية، سوف يؤدي الاضطراب في مضيق هرمز، وإن لم يتم إغلاقه، إلى ارتفاع أسعار النفط حكماً، وهو ما سيؤثر على اقتصادات دول منافسة للولايات المتحدة الأمريكية، ويستنزف مخازنها النقدية، مثل الصين واليابان.. وهو ما تسعى إليه واشنطن في المحصلة.

أما بالنسبة لإيران والتي تهدد بغلق المضيق، فهي ستكون أكبر المتضررين بين جميع الأطراف، لأن الصين سوف تستمر في استيراد النفط منها، ومن ثم فإن أي اضطراب سوف يؤدي بالفعل إلى تصفير صادراتها النفطية، ناهيك عن أن إيران تستورد الكثير من المنتجات البترولية المصنعة عبر المضيق، ما يعني أنها سوف تخنق نفسها بنفسها.

وعلى صعيد آخر، فقد استعدت دول الخليج لحدوث اضطرابات في مضيق هرمز، وعملت الإمارات منذ عدة أشهر على مد خط أنابيب إلى بحر عمان، يمكن أن يؤمن نحو 30% من مجمل الإمدادات التي تمر عبر المضيق.. أما قطر فقد ضاعفت من صادراتها من الغاز المسال خلال الآونة الأخيرة، والذي تستورده بالدرجة الأولى، بريطانيا، بهدف تخزين احتياطي، تحسباً لأي اضطراب في المضيق.

وفي السياق ذاته، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن استعدادها لتأمين الإمداد النفطي اللازم لحلفائها من الدول الأوروبية، واليابان والهند وكوريا الجنوبية، تشجيعاً لها على وقف استيراد النفط الإيراني، ولامتصاص مخاوفها من خطوة حدوث اضطراب في المضيق..
 
من كل ما سبق، نستنتج بأن الحرب على إيران قد بدأت بالفعل.. وقد استعد العالم من خلال محاصرتها بالكامل أولاً، بينما لا يعلم أحد على وجه التحديد، صورة الخطوة الثانية.. هل هناك حرب عسكرية؟، أم أن إيران سوف ترضخ للضغوط وتستجيب للمطالب الأمريكية، والتي يأتي على رأسها الانسحاب من سوريا، وتفكيك جميع التنظيمات المسلحة التابعة لها والتي تعمل على إثارة القلاقل لجيرانها في المنطقة، وأخيراً التوقف عن الاستمرار في مشروعها النووي..؟
 
من يبحث عن الإجابة على هذه التساؤلات، عليه أن يراقب الدبلوماسية الإيرانية وتحركاتها من جهة، وأن يراقب التعبئة العسكرية والحرب الإعلامية من جهة ثانية..
 
أغلب الظن أن إيران وكما يؤكد مراقبون، غير مهيأة لمحاربة العالم كله.. لكنها قد تحاول وتجرب.. وبعدها نرى ما ستكون عليه الأمور..


ترك تعليق

التعليق