مع جورج صبرا.. الحلول الاقتصادية للأزمة السورية


جمعتني بالأمس جلسة خاصة مع المعارض البارز جورج صبرا، كان قد جرى الإعداد لها قبل فترة طويلة، بهدف إثارة نقاش عام، عن ما جرى وأسبابه، ولماذا وصلنا إلى كل هذا السوء..؟، وفي الشق الآخر تركز النقاش، حول أفضل الحلول للخروج من المأزق الحالي الذي تمر به سوريا وشعبها على حد سواء.
 
الممتع والملفت في حديث جورج صبرا، أنه مطعم بالتجربة الشخصية والمعاينة عن قرب، والتي اكتسبها خلال تواجده في قيادة المعارضة السياسية وأغلب تشكيلاتها الرئيسية، من المجلس الوطني إلى الائتلاف ومن ثم هيئة التفاوض، التي جرى إخراجه منها في العام 2017 بعد الرياض2. وهو ما أتاح له أن يلتقي بوزراء خارجية عدد كبير من دول العالم، بما فيها الدول الكبرى، إبان مشروع ما يسمى أصدقاء الشعب السوري، ويطلع عبرهم ويراقب أبرز التحولات في المشهد الدولي إزاء سوريا، من داعم للثورة والمعارضة حتى العظم، إلى متخلٍ عن أبسط واجباته تجاه الشعب السوري، وتركه عرضة للقتل والتشريد والتدمير، وصولاً إلى الاحتلال المباشر للبلد، من قبل عدد كبير من جيوش الدول الكبرى والاقليمية، والميلشيات والتنظيمات الإرهاربية المدعومة إيرانياً.

هذا المشهد كان حاضراً تقريباً في جميع ما أدلى به "صبرا" من رؤى وأفكار، تنقل فيها عبر محطات، اعتبرها من وجهة نظره، مفصلية، وهي التي أفقدت المعارضة قوتها، وجعلتها ألعوبة بيد الدول ذات المصلحة الحقيقية بأن يستمر نظام الأسد في حكم سوريا، من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل. على الرغم من أن هذه الدول كانت تدعي صداقتها ودعمها للثورة السورية.
 
مجمل هذه المحطات يراها صبرا في عمليات التغيير التي كان يتعرض لها جسم المعارضة في كل مرة، بحجة التوسعة وإشراك أكبر عدد من التيارات السياسية، وفرض أشخاص بعينهم على أن يكونوا في الواجهة، ممن لا يمتلكون الخبرة والتجربة، من أجل أن تسهل عملية ثني المعارضة، التي تميزت في تشكيلتها الأولى في المجلس الوطني، بالثبات والقوة، وفي القدرة على الوقوف كندّ أمام الدول الكبرى والإقليمية والعربية، باعتباره كان ممثلاً حقيقياً للثورة السورية، ويحمي تطلعاتها في إسقاط النظام، ويعمل عليه.
وذلك بعكس التشكيلات الأخرى التي جاءت بعد المجلس الوطني، والتي بدأت تتراخى شيئاً فشيئاً، إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم، من تشرذم وضعف وضياع.

على أيه حال، الحديث حول هذا الموضوع ليس بجديد، وقد أدلى العديد من المعارضين البارزين، الذين تم استبعادهم من التشكيلات الأولى للمعارضة، بآرائهم التي لا تختلف كثيراً عن آراء ومواقف جورج صبرا، لذلك كنت أحثه في المرحلة التالية من النقاش، ليس فقط على تشخيص ما جرى، وإنما ما العمل..؟، وكيف لنا اليوم أن نواجه كل هذا الخراب والدمار الذي طال البشر والحجر، ووصل إلى حد التهديد بوحدة الأراضي السورية، ومن ثم رهن مقدراتها الاقتصادية من قبل النظام لعقود طويلة، ما يعني بأن سوريا لن تقوم لها قائمة قبل أقل من خمسين سنة قادمة..؟

من وجهة نظره، أننا اليوم يجب أن نعمل بالدرجة الأولى على وحدة الشعب السوري، وإعادة تنظيمه من جديد، وإثارة وعيه، لأنه هو الوحيد القادر على إفشال كل مخططات التقسيم والهيمنة، مثلما فعل إبان فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا..
 
وهو يرى أن ذلك لا يمكن أن يتم، إلا عبر خلق جسم سياسي جديد للمعارضة، يملك مقومات هذا الخطاب، وهو من يتولى القيام بهذه المهمة، على أن لا يقتصر في مخاطبته على المعارضين فقط، وإنما على الموالين كذلك.. وهو يرى في المحصلة أن الوعي الشعبي العام وكفاحه، هو من سيلغي نظام الأسد الديكتاتوري، وجميع الاحتلالات الأجنبية التي جلبها إلى البلد..
 
أما من وجهة نظري، وهو ما قلته للأستاذ جورج صبرا، أن الشعب السوري، المعارض والموالي، لم يعد يحتمل أية نضالات أو أجسام سياسية، فهو منهك عن آخره.. ولكن ما يعيد لهذا الشعب روحه من جديد، ويجعله يلتقي مع بعضه البعض، هو المصلحة المشتركة، والتي في هذا المجال لم تعد سياسية، وإنما اقتصادية..
 
بمعنى آخر، إذا كان هناك جزء كبير من الشعب السوري يرى بأن سوريا محتلة ومعرضة للتقسيم، فإن هناك جزء كبير أيضاً، يرى أن النظام انتصر على المؤامرة الكونية، وأن هؤلاء المحتلون الجدد، هم أصدقاء، وضمانة لحمايتهم من الفريق الآخر من الشعب السوري.. لذلك لا يمكن لهاتين الفئتين أن تلتقيا على المبدأ السياسي والأيدلوجيا، إطلاقاً، وأي جهد يتم صرفه في هذا المجال، إنما يدخل في باب العبث، وتضييع المزيد من الوقت دون طائل.
 
لذلك قلت للأستاذ جورج صبرا، أن ما يعيد جمع الشعب السوري من جديد اليوم، هو المشروع الاقتصادي، المتمثل بإعادة الإعمار وإطلاق عملية التنمية الاقتصادية في البلد.. وهو ما فعلته جميع الدول التي تعرضت لظروف قريبة الشبه.. وعلى رأسها الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى لبنان، لم تستقر ظروفه في أعقاب الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من عقد ونصف، ولم يرجع الشعب اللبناني المهجر إلى بلده، إلا بعد أن انطلقت مشاريع إعادة الإعمار، وفي المقابل ما قد يحوّلنا إلى  ظروف شبيهة بالبوسنة والهرسك في جمهورية يوغسلافيا السابقة، هو غياب المشروع الاقتصادي، وتخلي الدول الكبرى عن إعادة الإعمار في تلك المناطق.
 
وضربت له مثلاً في الموقف الأمريكي الذي يهدد باستمرار، بأنه لن يسمح بإعادة الإعمار، ما دام نظام الأسد في الحكم.. فهو يطلق هذا التهديد، ليس لأنه يرغب في إسقاط النظام فعلاً، ولكن لأنه يعلم أن هذا المشروع من العوامل التي سوف تساعد على إعادة المصلحة بين أبناء الشعب السوري لكي يتعايشوا من جديد، ومن ثم تغيير النظام السياسي الذي يرغب الغرب ببقائه.

قد تكون الصورة مشوشة بعض الشيء، وأنا لا أقلل من أهمية المشروع السياسي، لكن الأيديولوجيا لوحدها لا تكفي، وإنما يجب أن تطرح إلى جانب المشروع الاقتصادي، وفي أحيان كثيرة يمكن أن تضع خلفه أو في المرحلة التالية.. لأن الشعب السوري اليوم منهك وتعبان، ومن الصعب أن تطالب جائع بالفروسية، لكن لا بد أن تقوي من بنيته الجسدية والتحتية من أجل أن يشتد عوده، وفي هذه الحالة سوف يدافع عن مصالحه وعن مكتسباته الاقتصادية، عبر العمل السياسي..
 
برأيي، أن العنصر القوي في الأزمة السورية، ومن سيحوز على قلوب السوريين اليوم، هو من يمتلك المشروع الاقتصادي، والوعد بالرفاه والتنمية والاستقرار.. وعلى المعارضة إذا ما أرادت أن تحتل هذا الموقع، أن تعمل مع الدول التي تعتقد أنها داعمة للشعب السوري والمدافعة عن حقوقه في الحرية والكرامة، وإنجاز مشروع ورؤية اقتصادية لسوريا المستقبل، مترافقة مع الرؤية السياسية، وأن يكون هناك موازنة واضحة لهذا المشروع ودراسات واقعية، وصناديق دعم، ودول تعلن تعهدها بأنها على استعداد لتنفيذ مشروع المعارضة الاقتصادي..
 
أما أمريكا، فهي تقول أنها سوف تمنع وتناهض مشاريع إعادة الإعمار في سوريا ما دام بشار الأسد في السلطة، وفي المقابل لا تعلن جاهزيتها لدعم هذه المشاريع بالتوافق مع المعارضة.. لأنها باختصار تريد أن يبقى بشار الأسد في السلطة، قائداً لسوريا الضعيفة المهمشة.


ترك تعليق

التعليق