تحليل- (أستانة) لن يتهاوى في حال عقدت موسكو وأنقرة صفقة اقتصادية تخص الطريق الدولي


لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي عن أهداف الحملة العسكرية المحتملة على إدلب. المنطقة الأخيرة التي تقع تحت نفوذ المعارضة باتت منذ توقيع اتفاق أستانة بين تركيا وروسيا وإيران تحت ضغوط مفاوضات غير مكتملة حيث يرى محللون أن الروس والنظام ينظرون لإدلب كنقطة اتصال تجاري مع تركيا، ما يعمق الرغبة لدى موسكو والنظام في التوغل البري على الطريق الدولي المار من إدلب.

هذه المنطقة الواسعة تشكل صلة الوصل الأخيرة على خط التجارة الدولية وبالسيطرة عليها يتسنى للنظام تمرير البضائع بين معبري نصيب-الأردن وباب الهوى-تركيا، لتعود حركة التجارة لما كانت عليه سابقاً قبل اندلاع الثورة ضد النظام في آذار 2011.

اتفاق أستانة الخاص بالمنطقة والذي بدأ حالياً بالترنح، شدد في تفاصيله على الطريقين الدوليين المارين بإدلب (طريق اللاذقية-حلب، وطريق دمشق-حلب) اللذين قُطعا عشية سيطرة الفصائل على المحافظة.

ومنذ سنوات يسعى النظام لاستعادتهما بغية التخلص من الحصار الاقتصادي الذي فرضته ظروف الحرب على المناطق الواسعة وسط وجنوبي وغربي البلاد.

ربما توضح هذه المعطيات السبب وراء اللهاث المحموم لقوات النظام في حشد الآلاف على الحدود الإدارية لإدلب كلما سنحت له الفرصة أو استشعر بوجود خلاف ما بين القوى الإقليمية المتصارعة على النفوذ في سوريا.

فشل المفاوضات ربما يقود إلى الحرب

يرجع محللون موجة القصف الهستيرية التي يتعرض لها الريف الإدلبي والحموي إلى فشل المفاوضات بين تركيا وروسيا حول موضوع الطريق الدولي.

روسيا تريد تأمين هذا الطريق ليتم فتحه فيما بعد. وهي تصر على تسيير دوريات مشتركة على الطريقين (M4-M5) في حين ترفض أنقرة هذا الأمر كما ترفضه جميع الفصائل العاملة في ادلب وعلى رأسها "تحرير الشام".

ربما يكون الرفض التركي لتسيير الدوريات المشتركة نابعاً من رغبتها في متابعة تنفيذ الوعود التي قطعتها للمعارضة في تأمين الحماية البرية من أي تقدم للنظام. لكن ما يعتقده كثيرون هو أن فشل تركيا في إقناع الحليف الروسي بتسيير دوريات مشتركة في تل رفعت التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" -عدوة تركيا اللدود- جعلها ترفض تسيير دوريات مماثلة في إدلب.

ولهذا جاء الضغط الروسي ليحرج تركيا.

تدرك بعض الفصائل المتمركزة في إدلب أن غاية روسيا والنظام من شن حملة برية واسعة على إدلب هي السيطرة على القطعة التي تتجاوز 200 كيلو متر من الطريق الدولي والتي تبدأ من مورك وحتى معبر باب الهوى ومن جسر الشغور حتى حي الراشدين بحلب.

التوغل في جسر الشغور وسهل الغاب باتجاه أريحا يؤمن طريق الساحل. كما أن تقدم النظام من مورك باتجاه معرة النعمان ثم سراقب سيفتح الطريق من دمشق نحو حلب. أما الطريق نحو تركيا عبر باب الهوى فيحتاج للسيطرة على مدينة إدلب التي تشكل عقدة طرق مع كافة أرياف المحافظة الأربعة. الطريق نحو باب الهوى يمر من كفريا وحتى سرمدا الحدودية مع تركيا.

إدلب جزء من خطة روسية تجارية

يتعمق البعض في تحليل مجريات الأحداث الراهنة حيث لا يكتفون بمجرد الربط بين المفاوضات حول الطريق الدولي ومدينة تل رفعت بل هناك طموح اقتصادي أكبر.

في آذار الماضي انطلق في العاصمة الإيرانية طهران، مشروع ممر النقل الدولي "الشمال – الجنوب"، بحضور مسؤولين عن 12 بلداً حيث شارك في اجتماعات المشروع مسؤولون من تركيا وإيران وروسيا وطاجكستان وأرمينيا وأذربيجان والهند وسوريا وروسيا البيضاء وبلغاريا وعمان وكازاخستان.

يهدف ممر النقل الدولي -بحسب تقرير لوكالة الأناضول- إلى ربط الهند بروسيا مروراً بإيران وأذربيجان، وإنعاش التعاملات التجارية بين دول المنطقة.

مشاركة تركيا وسوريا في الاجتماع يعزز الشكوك حول رغبة موسكو في إدخال البلدين ضمن هذا المشروع وهذا ما يزيد الأطماع الروسية بإدلب التي تنظر إليها موسكو على أنها مجرد طريق دولي مهم على خط التحارة العالمية.

روسيا لن تتجرأ على شن الهجوم

ينفي خبراء احتمالية إقدام روسيا على هجوم بري باتجاه إدلب.

روسيا -على حد قولهم- تتقمص شخصية (البلطجي) في المنطقة دون أي رادع. فهي تحاول إنجاز شيء عبر المفاوضات وعند الفشل تلجأ إلى سياسة الأرض المحروقة.

هدف الروس من المفاوضات مع أنقرة فك العزلة الاقتصادية عن النظام، عبر فتح طريق حلب-دمشق وفتح بوابة إلى تركيا.

وهو ما لا تمانع به تركيا بشرط عدم دخول قوات تابعة للنظام وروسيا إلى المنطقة.

فالفصائل التي تقودها "هيئة تحرير الشام" قادرة بإشراف تركي على تأمين الطريق الدولي لاسيما بعد استفراد الهيئة بالمنطقة عقب سيطرتها على معاقل حركة "نور الدين الزنكي" غربي حلب وعلى مدينتي أريحا ومعرة النعمان الواقعتين على طريق التجارة واللتين كانتا تحت سيطرة فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير".

تخطئ روسيا الحساب في حال قررت الضغط على تركيا وشن هجوم بري على إدلب فهي لم تضع في اعتبارها مصير 3.5 مليون نسمة يقيمون في إدلب، ولا في موقف تركيا من هذه الحرب.

الصحفي التركي "عبد الله سليمان أوغلو" قال لـ "اقتصاد": "إذا مضت روسيا في طريق التصعيد العسكري لن تسكت تركيا وسيذهب مسار أستانة أدراج الرياح وستشهد المنطقة تصعيداً وحرباً متجددة لا يمكن لأحد ضمان عواقبها ونتائجها".

تحاول روسيا -بحسب سليمان أوغلو- ابتزاز تركيا بحكم العلاقات الاقتصادية المتنامية وصفقة الصواريخ الدفاعية (إس 400) لكن هذا لن يدوم للأبد ولا سيما إن أصبحت تبعات هذا التصعيد كارثية على تركيا من كل النواحي.

يضيف "يجب على روسيا والنظام إعادة حساباتهما إن كانا يرغبان بالاستقرار وفي الحصول على مكاسب اقتصادية وإعادة الحركة الاقتصادية بين المناطق السورية ومع الخارج".

تمتلك أنقرة عدة أوراق رابحة في إدلب لمواجهة الضغوط الروسية.

يمكن لتركيا إطلاق يد الفصائل العسكرية وإنهاء اتفاق أستانة وسوتشي وتجميد بعض الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية.

ولكنها لن تستطيع إغلاق مضيقي "البوسفور" و"الدردنيل" وهما المخرج الوحيد للسفن الروسية من البحر الأسود نحو بحر مرمرة -عبر البوسفور- ثم بحر إيجة باتجاه البحر المتوسط -عبر مضيق الدردنيل- إلا في حالة قيام حرب بينها وبين روسيا وفق اتفاقية (مونترو) التي تعطي لتركيا الحقوق الكاملة لممارسة سيادتها على المضايق، وإدارتها وإعادة تحصينها وتقييد مرور السفن الحربية.

ترك تعليق

التعليق