المسكوت عنه.. في العلاقات الاقتصادية، بين النظام وإيران


عشرات الاجتماعات وعشرات الاتفاقيات، بين نظام الأسد وإيران، منذ مطلع الثمانينيات وحتى اليوم، وكلها تجري تحت شعار الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى مستوى العلاقات السياسية الاستراتيجية. إلا أن نظرة شاملة على أرقام التبادل التجاري بين النظامين، تشير إلى وجود هوة كبيرة في هذه العلاقات، والتي لم تستطع كل هذه الاجتماعات والاتفاقيات أن تردم منها شيئاً، وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً.

ومؤشر تطور العلاقات الاقتصادية بين أي بلدين، يتمتعان بعلاقات سياسية مميزة، كما هو الحال بين إيران والنظام السوري، غير مرتبط بالنشاط الاقتصادي والاستثماري الحكومي فقط، وإنما بأنشطة القطاع الخاص بالدرجة الأولى، من أجل أن ينعكس ذلك على الجانب الاجتماعي، حيث تدعي إيران صداقتها للشعب السوري، ونفس الشيء نظام الأسد، الذي يدعي الصداقة مع الشعب الإيراني، إلا أن مجمل الوقائع والأرقام، تقول بأن النظامين، هما من يصادقان بعضهما البعض، وأن هذه الصداقة، التي كانت في أغلبها على الشر، انعكست بالسلب على الشعبين في كلا البلدين، فلم تتطور العلاقة أبداً بينهما، وظل يشوبها الحذر، والعداوة أحياناً.

وبناء عليه، فإنه على المستوى الحكومي، ظلت إيران تصدر نفطها إلى سوريا بأسعار أقل من العالمية بنحو 30 بالمئة، ولا تتقاضى ثمنه نقداً، وإنما تقايضه بالفوسفات، وكذلك قامت إيران بتنفيذ العديد من المشاريع الحكومية في سوريا، في قطاع الكهرباء على وجه الخصوص والنقل، وهي مشاريع في أغلبها كانت فاشلة، وكبدت الحكومة السورية خسائر فادحة.

وتجلى الكرم الإيراني الحكومي على النظام السوري في أعقاب قيام الثورة السورية في العام 2011، إذ أنها فضلاً عن وقوفها عسكرياً إلى جانبه، فقد أمدته بالأموال من أجل تأمين حاجياته من المواد الأساسية، في ظل الحصار الذي تعرض له الاقتصاد السوري من الدول الكبرى.
 
حيث قدمت له في العام 2013 مبلغ مليار دولار لشراء الحبوب والنفط والمواد الغذائية، كما قدمت له في العام 2014 قرضاً بقيمة 3.5 مليار دولار من أجل الحفاظ على مخزونه النقدي ومنع الليرة السورية من الانهيار.
 
وتقدر أوساط إيرانية حجم العلاقات التجارية مع النظام السوري منذ العام 1982 وحتى العام 1991 بأكثر من 5 مليارات دولار.. بينما تتحدث هذه الأوساط عن استثمارات بأكثر من 20 مليار دولار منذ العام 2005 وحتى اليوم. لكنها لا تقدم أية تفاصيل عن هذه الاستثمارات، سوى القول أنها جرت في قطاعات النفط والطاقة والكهرباء والنقل وفي مجالات البنية التحتية.

وفي المقابل، لا يعطي الجانب السوري أية بيانات عن أنشطة اقتصادية استثمارية نفذها في إيران، وكل ما يسعى إليه هو توريط القطاع الخاص السوري، لأن يكون هو الموازن للعلاقات التجارية بين البلدين، والتي يميل فيها الميزان التجاري لصالح إيران، بنسبة عجز كانت على الدوام أكثر من 200 بالمئة، إلا في العام 2010، عندما هبط هذا العجز إلى نحو 53 بالمئة.. وهذا الهبوط ليس بسبب زيادة الصادرات السورية إلى إيران، وإنما بسبب تراجع الواردات من إيران بعد اتفاقية تحرير التجارة مع تركيا.

تعيش اليوم العلاقات الاقتصادية بين إيران والنظام السوري على مفترق طرق خطير، بعد بيانات بدأت تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين هو أقل من 100 مليون دولار، رغم كل هذا الود السياسي بينهما، وحتى هذا الرقم مرشح للهبوط بشكل كبير، بعد فشل المشروع الإيراني بمد خط أنابيب غاز إلى البحر المتوسط، والذي كان مقرراً الانتهاء منه في العام 2014، إلا أن إيران أوصلت الخط إلى العراق، وتوقف هناك في العام 2013، بسبب ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا، وهو الأمر الذي أوقف المشروع إلى أجل غير مسمى، حتى بعد التخلص من التنظيم قبل عدة أشهر، بسبب أن أمريكا لاتزال موجودة في منطقة التنف وهي تهدد بضرب القوافل التجارية البرية التي قد تنطلق من إيران إلى سوريا، وذلك في أعقاب إعلان إيران عن تأسيس أسطول بري بالاتفاق مع النظام السوري والعراق، بهدف التغلب على العقوبات الأمريكية، والحصار المفروض عليها وعلى النظام.

هذا الوضع الجديد، تحاول إيران أن تقاومه عبر فتح طرق جديدة للتعاون الاقتصادي مع النظام السوري، لأنها لا تريد لكلا النظامين أن ينهارا اقتصادياً في ذات الوقت، ومن جهة ثانية قامت بإرسال العديد من الوفود الحكومية الاقتصادية إلى سوريا، ومثلها فعل النظام السوري، لتدارس ما يمكن فعله في مواجهة الحصار الاقتصادي الخانق على إيران، والذي يهدد الدولة في كيانها وفي بقائها كنظام..
 
إذ أن الشروط الـ 12 التي تقدمت بها أمريكا إلى إيران لفك الحصار النفطي عنها، لا تتضمن أية حوافز، لا اقتصادية ولا سياسية، وإنما تطلب منها الاستسلام، بعكس ما فعلت واشنطن مع كوريا الشمالية، عندما طالبتها بالتخلي عن برنامجها النووي، مقابل حوافز اقتصادية كبيرة.

لذلك وبحسب الكثير من المحللين والمراقبين، فإن إيران تتطلع اليوم إلى سوريا أكثر من أي وقت مضى، لأنها بالنسبة لها وللغرب، هي عقدة المنشار، التي يجب أن تبقى صلبة حتى النهاية.. وخروجها من سوريا مرغمة، يعني محاصرتها في محيطها الجغرافي بشكل تام، وسوف يضيع عليها جهد عشرات السنين وعشرات مليارات الدولارات، التي كانت قد صرفتها على مشروعها الامبراطوري الهادف لفرض نفوذها على منطقة الشرق الأوسط، وأن تصبح هي صاحبة القرار فيه، في تعاملها مع الدول الكبرى..
 
المضحك في كل هذا المشهد الكبير، أن النظام السوري، لا يملك سوى سامر الدبس، رئيس غرفة صناعة دمشق، الموجود في إيران منذ عدة أيام مع وفد اقتصادي من رجال الأعمال، بهدف بحث زيادة التبادل التجاري بين البلدين..

وهي الزيارة رقم 20 تقريباً التي يقوم بها سامر الدبس إلى إيران منذ خمسة سنوات وحتى اليوم.. وهو ما دفع أحد المحللين الإيرانيين للتعليق على ظاهرة سامر الدبس بالقول: "في الوقت الذي تبحث فيه إيران مع النظام السوري كيفية مقاومة الحصار الأمريكي، من خلال البحث عن علاقات استراتيجية اقتصادية تنقذ البلدين، ترسل إلينا دمشق، من يبحث معنا زيادة تصدير (الشماشير) السورية إلى إيران، والبرتقال والتفاح"..
 

ترك تعليق

التعليق