"قصف بأجور المنازل".. يتعرض له نازحو ريفي إدلب وحماة


يشتكي النازحون من جنوبي إدلب وغربي حماة من جشع واستغلال بعض الأشخاص في أجور المنازل ما يزيد من همومهم ومعاناتهم.

وتفيد مصادر بأن ايجار المنزل الواحد في بعض المناطق مثل "سرمدا، والدانا" بريف إدلب وصل إلى أكثر من 300 دولار، كما أن أصحاب تلك المنازل باتوا يطلبون أجرة 6 أشهر "سلف"، إضافة إلى عمولة المكتب والتأمين، وسط غياب الجهة الرقابية الضابطة لهذا الأمر.

"محمد أبوعلي" أحد النازحين من جنوبي إدلب قال لـ "اقتصاد": "هناك استغلال واضح من بعض ضعاف النفوس لحاجة النازحين لمنازل تأوييهم، ومنذ بدء موجات النزوح بدأ البعض من سكان المناطق الآمنة والبعيدة عن القصف نسبياً، باستغلال حاجتنا لمساكن نلجأ إليها وبدأوا يتحكمون بإيجارات المنازل التي وصلت لحدود 400 دولار، وهذا يفوق قدرة النازحين الفارين من آلة القتل الأسدية الروسية".

وتابع بالقول: "هذا الأمر يجري وسط غياب الجهات الرقابية وعدم قدرة المجالس المحلية على ضبط هذا الأمر كون هذه المنازل أملاك خاصة، وبالتالي لا يوجد جهة فاعلة ومعنية تضع حداً لتلك التجاوزات، ليبقى النازحون عرضة للاستغلال وسط ظروف انسانية صعبة يمرون بها".

أما "أبو محمد" أحد النازحين من غربي حماة قال: "بات من الملاحظ بشكل كبير في مناطق بريف إدلب يلجأ إليها النازحون من ريفي إدلب الجنوبي وحماة الغربي، أن هناك بعض الأشخاص رفعوا أجرة المنزل لأرقام قياسية وصلت لنحو 300 دولار علماً أن أجرته كانت لا تتعدى 10 آلاف ليرة سورية، وهناك من بات يطلب أجرة الغرفة الواحدة نحو 15000 ليرة سورية في حين أن ايجارها لا يتعدى 5000 ليرة سورية".

وأشار في حديثه لـ "اقتصاد"، إلى أن هناك بعض الأشخاص يطلبون أجرة الغرفة الواحدة 50 دولار ومنهم من يطلب 100 دولار، في استغلال واضح لحاجة المهجرين والنازحين الجدد.

وأكد "أبو محمد" عدم وجود أي جهة قادرة على ضبط مسألة رفع ايجارات المنازل ولا يوجد أي جهة تتدخل في موضوع إلزام صاحب المنزل بفرض ايجار محدد.

وأرجع "أبو محمد" سبب استغلال البعض لحاجة النازحين الجدد إلى غياب روح التآلف والتعاون عند هؤلاء المستغلين لحاجة الغير، مبيناً أنه في كل مجتمع يوجد أشخاص سيئون يحاولون الاصطياد بالماء العكر، مضيفاً أن هؤلاء الأشخاص يعتبرون أن موجات النزوح هي بمثابة "مواسم" بالنسبة لهم وعليهم الاستفادة منها.

وقال أحد النازحين من جنوبي إدلب ويدعى "محمد ضياء": "لم نجد أي منزل فارغ للإيجار، وحتى عندما نجد المنزل فإن أصحابه يطالبوننا بمبالغ خيالية تتراوح بين 200 و300 دولار، بدءاً من منطقة سرمدا وباب الهوى وصولاً إلى أطمة، فكل تلك المناطق الحدودية باتت ايجارات المنازل فيها خيالية".

وليس حال "أبو علي" بأفضل من باقي النازحين الذي يقول: "نزحنا من جنوبي إدلب باتجاه المناطق الشمالية وتفاجئنا أن ايجارات المنازل إن وجدت تبدأ من 100 دولار ولا تنتهي عند 300 دولار، وخاصة في المناطق الحدودية (أطمة، وباب الهوى)".

وعلى الرغم من طلب أصحاب المنازل تلك الايجارات المرتفعة جداً، إلا أن بعض المصادر ذكرت أن المنزل الذي يطلب فيه صاحبه أجرة شهرية تصل إلى 300 دولار لا يرقى لأن يكون صالحاً للسكن بل أغلبها بحاجة لصيانة وترميم.

ويسرد أحد النازحين تجربته في البحث عن منزل للإيجار بقوله: "بعد رحلة مريرة للحصول على مأوى لي ولزوجتي وأطفالي، قابلني أحدهم وعرض عليّ منزل عبارة عن غرفة للإيجار بعشرة آلاف ليرة سورية ولكن المضحك المبكي في الأمر أن الغرفة تقع في إحدى الأراضي الزراعية وهي من دون أبواب ولا شبابيك ولا صرف صحي ولا شبكة مياه، لذلك فضلت البقاء في خيمة على أن أسكن في تلك الغرفة الخاوية على عروشها"، وأضاف ساخراً: "هذا المنزل يعتبر رخيص جداً ولُقطة".

ولاقت عمليات الاستغلال من بعض ضعاف النفوس لحاجة النازحين للسكن، ردود فعل غاضبة من قبل عدد من الناشطين وحتى من المهجرين والنازحين ممن اضطروا للنزوح في وقت سابق من أرياف حمص ودمشق ودرعا.

وكتب "أبو ماهر صالح" أحد المهجرين من الغوطة الشرقية للشمال السوري على صفحته في "فيسبوك" موجهاً رسالته لمن يستغل حاجة النازحين بالقول: "لماذا تريد أن تأخذ من النازحين والموجوعين والمكلومين الذين تركوا أموالهم وأرزاقهم مبلغ 150 دولار أجرة منزل لا يحوي على أي أثاث منزلي، كما أنك تطالبهم بأجرة 3 أشهر أو 6 أشهر سلف؟"، مضيفاً: "تجار الدم وقليلي النخوة والناموس الله لا يشبعكم".

وعبّر الناشط في الشمال السوري "تيسير القصيراوي" عن غضبه من تلك الممارسات بحق النازحين الجدد بالقول: "تعالوا اتفرجوا يا ناس كيف يطالبون النازحين بدفع أجرة المنزل بالدولار، من الممكن أن تجد غرفة في حماة بعشرة آلاف ليرة سورية أما في مناطق الدانا وسرمدا فوصلت أجرة المنزل إلى نحو 250 دولار، تعالوا اتفرجوا يا ناس".
 
وتشير بعض المصادر، إلى وجود نسبة كبيرة من الأشخاص الذين قاموا بتأجير منازلهم بأسعر منطقية ومقبولة تتراوح بين 10000، و 15000 و20000 ليرة سورية حسب جودة المنزل، وهذا الأمر كان في بداية موجات النزوح دون أي استغلال لحاجة النازحين، ما جعل الناس تقبل على تلك الايجارات بشكل ملحوظ، واليوم ما تبقى هو بعض المنازل التي يطالب أصحابها بأجور مرتفعة تتجاوز 200 دولار.

"محمد قلاع" العضو السابق في المجلس المحلي لمدينة "سرمدا"، وتعليقاً على الشكاوى الواردة من ارتفاع أجور المنازل واستغلال البعض لحاجة النازحين، بيّن أنهم وفور بدء أزمة النازحين إلى المدينة من جنوبي إدلب وغربي حماة، قاموا بتشكيل مجموعة كبيرة تحت مسمى "لجنة طوارئ سرمدا.. للخير أقبل"، بهدف تأمين المأوى المجاني للنازحين، وتأمين البيوت على الهيكل وتجهيزها من المتبرعين وأهل الخير، اضافة لتقديم وجبات افطار جاهزة للنازحين كذلك من أهل الخير.

وأشار إلى أن عملهم هدفه فعل الخير بشكل أساسي ورئيس، "أما إذا كان في مدينة سرمدا بعض الجشعين، فالمدينة أصبح فيها القسم الأكبر من الوافدين والتجار والمستملكين من كافة المحافظات"، حسب وصفه.

الجدير ذكره، أن حالة الجشع والاستغلال لحاجة النازحين من بعض ضعاف النفوس ليست الأولى من نوعها، ففي أوائل العام 2018 أطلق ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي حملة بعنوان "نازح لا سائح" بهدف تسليط الضوء على حالات استغلال البعض للنازحين الهاربين من القصف والعمليات العسكرية صوب مدينة إدلب، ومحاولة وقف عمليات الاستغلال بحق هؤلاء النازحين، ولاقت الحملة ردود فعل مؤيدة ومساندة لها من كثيرين.

ومنذ نحو أسبوعين، وعقب انتهاء جولة أستانة الثانية عشرة، كثفت قوات النظام والطائرات الروسية من قصفهما الجوي والمدفعي على مناطق مختلفة من محافظتي إدلب وحماة، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، يضاف إلى ذلك حركة نزوح واسعة وخروج مرافق حيوية عن الخدمة.

ترك تعليق

التعليق