تلكلخ.. "اليبرق" بـ "التعضيمة"


مع تراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق النظام بشكل عام، وفي ريف حمص الغربي بشكل خاص، ولا سيما المهجرون والنازحون منهم إلى مدينة" تلكلخ" بريف حمص الغربي، أو البعض ممن تمت إعادتهم إلى قراهم التي هُجروا منها سابقاً - والتي تعرضت للنهب الشامل من قبل "الشبيحة" والمليشيات الطائفية التابعة للنظام والقرى المحيطة في تلك المنطقة- ضمن ظروف قاسية، تحملوا وطأتها وقسوتها من أجل العودة إلى أراضيهم وبقايا بيوتهم المهدمة والمنهوبة.

وحيث أنه لا أعمال يمكن ذكرها في مدينة تلكلخ لأهلها أساساً، ولا حتى للمهجرين إليها، فهي كما عرف عنها منذ سنين طويلة منطقة كان اعتمادها بشكل أساسي على التهريب، والذي بات اليوم حكراً على مجموعات طائفية معينة مدعومة ومحمية من جهات نافذة أو تابعة لأجهزة أمنية.. في حين المهجرين أغلبهم من أصحاب الأراضي والتي كانوا يعتمدون فيها على محاصيل أراضيهم وأعمالهم الزراعية.

كل ما سبق انعكس على أجواء رمضان في تلكلخ ومحيطها، وجعل الناس يعتبرونها كبقية الأيام، التي يجاهدون فيها لسداد احتياجاتهم. فهم غير قادرين على التفنن بأصناف المأكولات المتنوعة التي كانت تزين موائد إفطارهم، فالأغلبية منهم باتوا يعتمدون صنفاً واحداً في وجبة إفطارهم.

اليبرق.. دون تكلف

وباعتبار رمضان جاء مع موسم ورق العنب الأخضر "اليبرق"، وحيث أن مناطق ريف حمص الغربي تشتهر بكرومها، فقد تصدر "اليبرق" قائمة المأكولات والمائدة لأهالي ريف حمص الغربي، ولكن من دون تكلف كما اعتادوا في الأيام الخوالي، حيث اعتمدت غالبية الأهالي على "لف اليبرق" بالأرز فقط من دون وضع اللحمة نتيجة ارتفاع سعرها الذي وصل إلى (3500 كيلو لحم البقر، 4500 كيلو لحم العجل، 5000 كيلو لحم الخروف)، وقد اعتمدت بعض العائلات على شراء كمية من اللحم المثلج بمبلغ (700 و1000) ليرة سورية المنتشر بشكل كبير في المنطقة.

كما اعتمدت بعض الأهالي على وضع "التعضيمة "- وهي عبارة عن مجموعة عظام فيها قليل من اللحم "عظم مشفى" تشترى من عند "القصاب" بمبلغ قليل يتراوح بين 500 و 700  ليرة سورية، وبعض القصابين يرفضون أخذ ثمنها-، كما لجأت بعض العائلات إلى وضع كمية من الدهن مع طبخة "اليبرق" لتنكيهها، ولجأ البعض إلى وضع قليل من جوانح ورقبات الدجاج أسفل طبخة اليبرق أيضاً لتنكيهها.

الفاصولياء بالزيت أقل كلفة

من الأكلات التي سادت في ريف حمص الغربي في الأيام الأولى لرمضان هي الفاصولياء الخضراء بالزيت والتي وصل سعر الكيلو منها إلى (500) ليرة سورية، ولكن وجد الأهالي أن تكلفتها أرخص من غيرها حيث لا تحتاج سوى لبضع حبات من الثوم وقليل من الزيت الأصلي، والكثير من الأهالي يقومون بطبخها بالزيت النباتي "العملي" لعدم قدرتهم على شراء الزيت الأصلي، ويحضّرون معها سلطة خضار أو سلطة اللبن بالخيار.

البرغل لحم الفقير

وقد اكتفى بعض الأهالي ولاسيما المهجرين منهم بطبخة الحمص ببرغل، فالمهجرون مازالوا يحصلون على سلة غذائية (معونة) من الهلال الأحمر السوري بعد توقف المعونة عن كافة أهالي ريف حمص الغربي باستثناء المهجرين منذ مدة قصيرة، وبما أن الحمص والبرغل جزء من المعونة وبكميات متواضعة، فوجدها البعض طبخة ميسرة لهم غير مكلفة، أما من لا يحصل على المعونة فتكلفة البرغل بالحمص هي أيضاً ليست بالأمر اليسير حيث يباع كيلو الحمص بـ 375 ليرة سورية، والبرغل 325 ليرة سورية، وتحتاج أيضاً إلى سلطة لبن بالخيار أو لبن عيران وبلغ سعر وعاء اللبن 350 ليرة سورية، والبعض وضع على وجه البرغل بحمص قطع من فخاد الدجاج المسلوقة جيداً. وعليه نجد تكلفة هذه الطبخة البسيطة جداً تتجاوز تكلفتها الـ (1000) ليرة سورية.

الأرز بالبازلاء الموسمي

كما سادت طبخة البازلاء الخضراء بالأرز باعتبار أيضاً أنه موسم البازلاء الخضراء، حيث تطبخ البازلاء مع قليل من اللحمة والأرز، وقد استغنى بعض الأهالي عن وضع اللحمة ممن لا يفضلون تناول اللحم المثلج  أو لا تسمح  إمكانياتهم بشراء اللحم، كما تحضّر بجانبها سلطة اللبن بخيار، والتي يجدها الأهالي أرخص بكثير من الفتوش والتبولة، والتي ما كانت تخلو موائدهم من إحداهما.

وأخيراً
 
عند سؤالنا للبعض ممن تواصلنا معهم عن كيفية تمضيتهم لأيام رمضان، كانت أجوبتهم متقاربة، حيث انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة جعل الناس تلجأ إلى زيارة الأقارب والأصدقاء بعد الإفطار، ويجتمع الكثيرون في بيت واحد يتبادلون الأحاديث ويشربون "المتة" والقهوة، فلا يشعرون إلا وقد مضت السهرة وحان وقت النوم.

 تقول "أم إبراهيم" متهكمة: "رب ضارة نافعة. انقطاع التيار الكهربائي جعلنا نضجر من منازلنا ونجتمع عند الأقرباء طلباً (للونس)، هذه الجمعات تنسينا مواجعنا ولو لبضع ساعات".


ترك تعليق

التعليق