تعرّف على "الخميعة".. من مأكولات الجزيرة التراثية، التي ما تزال حيّة


"لم يُبق الزمن سناً واحداً في فمي لأطحن الأطعمة الأخرى.. لذا فتعتبر الخميعة أكلتي المفضلة وربما الإجبارية رغم توافر كل هذه الأصناف من الأطعمة"، بهذه الكلمات يبرر الحاج عزو المحمد، تناوله لثريد الخبز والحليب على مقربة من مائدة الإفطار لأبنائه وأحفاده.

يحاول عبثاً الأبناء، إقناع الرجل الذي فقد أسنانه منذ زمن بعيد خلال لعبة "الحورة"، أن "شوربة الأندومي" لا تختلف عن شوربة العدس، وأنها تعوض مكانها على المائدة حين تغيب، لكن الوالد يرفض تناولها رفضاً قاطعاً، ويطالب بإعداد "الخميعة" حين تغيب الشوربة ليستطيع أكل خبز الصاج المتين بعد نقعه في إناء الحليب المحلى مع السمن العربي، وللأخير أثر واضح في بنيته الجسدية القوية رغم تقدمه في السن.

يقول الرجل الستيني إن الخميعة كانت طعام الإفطار الصباحي المفضل مع الخبز الساخن لدى أهالي قريته "المُدينة" وكل الريف الحسكاوي في الأيام الغابرة، وتعتبر من الأكلات الشهيرة في أوقات القلة، فهي لا تحتاج الكثير من المكونات فيستطيع الانسان صناعتها عبر تقطيع خبز الصاج إلى قطع صغيرة في الصحن قبل إضافة الحليب الساخن والسكر مع السمن البلدي أو الزبدة، وتفضل الأخيرة لأنها "أبرد" (أقل حدة) وهي متوفرة في كل منزل خلال فصل الربيع لأن معظم قطعان الأغنام تكثر فيها الولادات في الربيع فيكون موسم الحليب والزبدة، خاصة في ربيع كهذا الربيع الفريد لجهة وفرة المراعي في عامنا الحالي.


بالنسبة لسارة العلو (40 عاماً)، فالخميعة وجبة للمناسبات تحضرها لمن يطلبها بشكل خاص من الضيوف أو من أطفالها، لكنها تقر بتراجع تحضيرها مقارنة بالعقود السابقة، وخاصة بعد انتقالها مع زوجها من الريف للعيش في مدينة الحسكة، حيث تكلف أصغر وجبة منها مؤلفة من رغيف خبز وكوب سكر ولتر حليب وملعقة كبيرة من السمن بحدود 500 ليرة، لأن السكر بـ350 ليرة والسمن العربي 4-5 آلاف ليرة ورغيف الخبز بـ35 ليرة ولتر الحليب يباع بـ200 ليرة. لكن سكان الريف لا يحتاجون سوى لشراء السكر.

وعن تحضير "الخميعة" تقول "سارة": "نأتي بالحليب ونفوره (نغليه حتى الفوران)، بعد فورانه يثرد الخبز (يقطع) مع كمية من السمن العربي ثم يصب الحليب الساخن فوق الخبز المقطع حتى يذوب السمن لتكون (الخميعة جاهزة)"، مبينة أنها قد تحتاج إلى القليل من السكر، وبعض الناس يفضلها دون سكر.

وأشارت السيدة إلى عدم اكتراث معظم من يصنعون الخميعة في السابق لمقادير محددة، لكن ربة المنزل تقدر ما يكفي أفراد عائلتها وأحياناً تكرر صناعتها مرات عدة خلال الوجبة الواحدة، ما دام هناك حليب ساخن وخبز جديد.


من وجهة نظر صحية، يقول خبير التغذية حارث بليبل، إن الخميعة تعتبر أكلة ثقيلة جداً لأنها غنية بالدهون، فالسمن العربي والحليب يحويان على دهون مشبعة وغير مشبعة، وهي غنية أيضاً بالأملاح المعدنية والفيتامينات والبروتينات الموجودة بالحليب، أمّا خبز الصاج فهو مصدر جيد للنشاء والألياف لأنه يعتبر حبة قمح شبه كاملة.

وتعد الخميعة قديماً نوع من البذخ- وفق الخبير- لأن التنوع في الطعام الموجود حالياً لم يكن موجوداً، أما تحضيرها على الموائد حالياً كطبق إضافي وليس رئيسي مع كل هذا التنوع يسبب مشكلة، ففي الماضي كانت أكلة جيدة تعطي طاقة للجسم لفترة طويلة لأن الناس لا يطبخون سابقاً المحشي والكبسة وغيرها كما هو الآن.

وأكد بليبل أنها من الأكلات الثقيلة لوجود كميات كبيرة من الدهون المشبعة، لكن إذا اعتمدت كوجبة رئيسية لوحدها خاصة بالسحور تعطي شعوراً بالشبع لفترة طويلة، فهي مصدر للطاقة جيد من السكر والدهون وأحياناً العسل، فهي أكلة يجب أن يأكلها الإنسان لوحدها دون أي وجبات أو مكونات إضافية.

ويتحاشى الناس أكل الخميعة على وجبة السحور لأن الحليب الساخن يحتاج من يتناوله، للماء بكثرة، فهي أكلة يفضلونها مع الخبز الساخن في صباحات فصل الشتاء البارد حين يتراجع تنوع الموائد بسبب غياب الخضار البلدية.

والخميعة معروفة ومشهورة في العراق كما هي بمحافظات الجزيرة السورية، وأيضاً معروفة لدى سكان شمال الجزيرة العربية مع اختلاف بسيط يتمثل بإضافة التمر إلى مكوناتها أو الطحين كما بالأردن، بينما يحليها البعض بالعسل.

ترك تعليق

التعليق