لهذه الأسباب تعاني "بنش"، شرقي إدلب.. من أزمة سكن خانقة


لعدة أسابيع يحاول "أبو الخير" إيجاد منزل للإيجار في مدينة بنش شرقي إدلب، ولكن دون جدوى. يسأل مكاتب الدلالة، أصحاب المتاجر، المشاة المارين في الطرقات، ومع ذلك لم يحصل على بيت مناسب للسكن في المدينة التي تعاني من أزمة سكن قاتلة كنتيجة طبيعية لحالة الازدحام البشري فيها عقب تنفيذ اتفاق إخلاء الفوعة وكفريا في تموز 2018.

القرب من مدينة إدلب (تبعد 7 كم) واتصافها بملامح غير موجودة في الأخيرة مثل البعد عن الاقتتال الفصائلي وعن التفجيرات، إضافة لكونها أقرب إلى المدينة من مجرد قرية صغيرة.. جميعها صفات يتفق عليها السكان مؤكدين على أنها تعتبر سبباً كافياً لتفضيل الإقامة في مدينتهم. فـ "الجميع يبحث عن الأمن في ظل الانفلات والفوضى"، يؤكد "معتز" أحد السكان. بينما يوضح "سعيد" الذي يدير محلاً لبيع اللحوم في سوق بنش، أن مدينته بمنأى عن صراعات الفصائل على الرغم من وجود مقرات تابعة لأحرار الشام داخلها.

لا يشكك أحد من المقيمين في بنش بأهمية أجواء الطمأنينة السائدة في المنطقة. مع ذلك يرى البعض أن هناك أسباباً أخرى تقف خلف الأزمة. يقول "أبو قاسم" الذي يعمل في مجال العقارات ببنش إن معظم البيوت ممتلئة سواء بساكنيها الأصليين أو بعدد كبير جداً من المهجرين والنازحين الذين استأجروا داخل المدينة.

يتابع أبو قاسم لـ "اقتصاد" بينما كانت يداه تشيران إلى مشفى بنش وهو بناء صخم مكون من طابقين، "انظر.. هذا المشفى هو أحد أهم أسباب الاكتظاظ السكاني في بنش". يوضح "أبو قاسم" أن الشارع الرئيسي للمدينة إضافة لشارع بنش-الفوعة يزدحمان بالسيارات والدراجات والمارة بين الثامنة صباحاً والثانية ظهراً، وهي الفترة التي تفتح العيادات المتخصصة للمشفى أبوابها فيها. الخدمات الجيدة التي يقدمها المشفى شجعت الكثيرين على الإقامة في المدينة.

هناك رأي ثالث حول الاكتظاظ السكاني في المدينة يتحدث عنه "جهاد" وهو مستأجر جديد فيها. "أعشق هذه المدينة لسبب واحد وهو كونها تظل مضاءة إلى ما بعد العاشرة مساء". قال جهاد.

بخلاف عشرات بلدات وقرى الريف الإدلبي التي تغلق متاجرها مع أذان المغرب تبقى أسواق بنش مفتوحة ومضاءة بكهرباء الآمبيرات حتى الحادية عشرة كل ليلة. وهذا ما شجع "جهاد" الذي كان يمر كل مدة من المنطقة ليلاً؛ على البحث عن منزل بهدف الإقامة الدائمة في المدينة التي يحب. بالنسبة لـ "جهاد"، مقياس الأمان والراحة النفسية في أي منطقة تحدده عقارب الساعة. فالمدينة التي تغلق أسواقها باكراً هي منطقة خائفة تنقصها عوامل الاستقرار والأمن. والعكس صحيح.

زيادة الطلب على المنازل ساهم في رفع أسعار الإيجارات. يدفع "محمود" الذي يستأجر منزلاً من 3 غرف بالقرب من السوق مبلغ 25 ألف ليرة شهرياً. يقول لـ "اقتصاد": "هذا المبلغ كبير فعلاً لكني هنا مرتاح كون المنطقة بعيدة حالياً عن صراعات الفصائل والقصف".

يعتبر المبلغ الذي يدفعه محمود سعراً متوسطاً لما يدفعه السكان من إيجارات. إذ تبدأ الأسعار من 12 ألف ليرة وتنتهي بـ 35 ألف ليرة. بحسب سعة البيت وموقعه وحالته المعمارية.

تشكل بنش عقدة اتصال على طريق حلب-إدلب الدولي. وتعكس الأسواق المكتظة داخلها حركة تجارية مزدهرة. يعود ذلك إلى أجواء الاستقرار التي بدأت تسود المنطقة عقب تنفيذ اتفاق تهجير سكان بلدتي الفوعة وكفريا المتاخمتين للمدينة. كانت بنش أثناء حصار قوات المعارضة للبلدتين الشيعيتين تتعرض لقصف مكثف بشكل شبه يومي..


ترك تعليق

التعليق