حرق المحاصيل كسلاح حرب يقضي على حصاد الحبوب في العراق وسوريا


كانت تبدو سنة خير وعطاء للفلاحين في أنحاء واسعة من سوريا والعراق عقب هطول مستويات غير مسبوقة من الأمطار، فأحيت الأرض بعد جفاف وأنتجت حقولا ذهبية من القمح والشعير ما منح الفلاحين في البلاد التي مزقتها الحروب سببا للبهجة.

لكن هذه الأخبار الجيدة لم تدم طويلا في هذا الجزء من العالم حيث يكافح الأهالي في كلا البلدين للتغلب على العنف والاضطرابات التي تبدو وكأن لا نهاية لها وسط حرب مريرة في سوريا وهجمات فلول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. والآن، وحتى في المناطق التي خمدت فيها نيران الصراع، شبت نيران جديدة في حقول المزارعين ما حرمهم من محصول زراعي مربح.

تم القاء اللوم في الحرائق بالتناوب على مقاتلي "الدولة الإسلامية" المهزومين الذين يسعون، كما يقال، للانتقام، وحينا على قوات النظام السوري التي تقاتل لطرد الجماعات المسلحة الأخرى حينا آخر. وتعرضت آلاف الدونمات من حقول القمح والشعير في سوريا والعراق للحرق خلال موسم الحصاد الذي يستمر حتى منتصف يوليو تموز.

قال حسين عطية، المزارع من طوبزاوة كاكائي في شمال العراق "إذا ما استمر الوضع على هذا المنوال، لن يبقى أحد هنا. أنا أزرع ما بين 500 الى 600 دونم كل عام. في العام المقبل، لن أتمكن من فعل ذلك لأني لا أستطيع البقاء هنا وحراسة الأرض ليلا ونهارا".

لمقاتلي "الدولة الإسلامية" تاريخ طويل في اتباع سياسة الأرض المحروقة في المناطق التي ينسحبون منها أو حيث يهزمون. قالت إيما بيلز، الباحثة المستقلة في الشؤون السورية "انها وسيلة لفرض عقوبة جماعية على الذين خلفوهم وراء".

تبنى مسلحو "الدولة الإسلامية" مسؤولية حرق المحاصيل في النشرة الأسبوعية، النبأ، قائلين انهم استهدفوا مزارع تابعة لكبار المسؤولين في ست محافظات عراقية وفي شرق سوريا الخاضع للإدارة الكردية ما يسلط الضوء على التهديد المستمر الذي تشكله الجماعة حتى بعد هزيمتها على الأرض.

قال تنظيم الدولة الإسلامية انه حرق مزارع "المرتدين في العراق والشام" ودعا الى حرق المزيد. وجاء في بيان التنظيم "يبدو أنه سيكون صيفاً حارا سيحرق جيوب المرتدين وكذلك قلوبهم حيث أحرقوا المسلمين وبيوتهم في السنوات الماضية".

أحرقت مئات الدونمات من حقول القمح حول كركوك في شمال العراق.

كما احترقت عدة حقول قمح في بلدة داقوق جنوب كركوك لمدة ثلاثة أيام على التوالي الأسبوع الماضي.

كافح مزارعون في قرية علي سراي، الواقعة داخل حدود داقوق، لإخماد الحرائق.

وضع مسلحون ألغاما أرضية في الحقل، لذلك عندما وصلت المساعدة إلى قرية طوبزاوة كاكائي، انفجر لغم وأصاب شخصين بجروح خطيرة، وفقا لوزارة الزراعة المحلية ومزارعين.

وفي محافظة الرقة شرقي سوريا، واجه مزارعون النيران المشتعلة بقطع قماش وأكياس وبراميل مياه. تصاعد الدخان الأسود من أكوام من القش المحترقة فوق الحقول.

قال الناشط عمر أبو ليلى إن القوات المحلية - التي يقودها الأكراد - فشلت في السيطرة على الحرائق بمحافظة دير الزور، حيث طرد تنظيم الدولة من آخر معاقله هناك في مارس/ آذار الماضي، ما زاد من حدة الأزمة.

يتهم سكان آخرون حكومة النظام السوري، التي كانت تربح الملايين من تجارة القمح في شرق البلاد، بإشعال الحرائق لتقويض الإدارة التي يقودها الأكراد، والتي تعمل الآن بشكل مستقل عن الحكومة المركزية.

تقر السلطات الكردية بأن لديها قدرات قليلة للتعامل مع الحرائق.

وفي الرقة، حيث يعتمد معظم السكان على الزراعة، كان المزارعون يستعدون لموسم جيد.

يترأس أحمد الهشلوم مجلس إدارة منظمة "إنماء" المحلية التي تدعم الزراعة.

يقول إن مستويات هطول الأمطار كانت أعلى بنسبة 200 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، ما أدى لعودة كثيرين إلى الزراعة.

"لكن السنة التي كانت تبدو جيدة تحولت إلى سنة سوداء" وفقا للهلشوم، مشيرا إلى أن منطقة غرب الرقة كانت الأكثر تضررا من الحرائق.

وقال إن كل ما يتطلبه الأمر هو "عقب سيجارة" لإشعال النار في أكوام التبن.

وأضاف "لا يحتاج الأمر إلى قنبلة أو وقود".

وذكر أن التقديرات - المستندة إلى مزارعين محليين - تشير إلى أن خسائر اشتعال النيران في حوالي 25000 دونم (10 آلاف هكتار) في محافظة الرقة بلغت 9 ملايين دولار.

في غربي سوريا، أدى هجوم عسكري للنظام على آخر معقل للثوار في البلاد إلى احتراق آلاف المزارع، في ما يقول النشطاء والخبراء إنها خطوة محسوبة لحرمان السكان المحليين من مورد رزقهم واجبارهم على مغادرة الجيب الذي يأوي ثلاثة ملايين شخص.

قالت إيما بيلز، الخبيرة في الشأن السوري، إن حكومة النظام استخدمت أساليب مماثلة عندما حاصرت داريا والغوطة الشرقية، وهما منطقتان كانتا للثوار خارج العاصمة السورية دمشق، وفي نهاية المطاف تم اجبار المسلحين على الاستسلام في أوائل 2015 و2016.

وطوال أمد الصراع، استخدمت مختلف الأطراف المتحاربة المحاصيل الغذائية كوسيلة للسيطرة على السكان.

قالت بيلز إن حرق المحاصيل في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال سوريا من المرجح أن يكون الفصل الأخير في قائمة الخطط و"سوف يؤثر على الأمن الغذائي والقدرة على كسب لقمة العيش القليلة للبعض".

أضافت أن حجم حرق المحاصيل في إدلب أكبر بكثير من المناطق الأخرى.

وأشارت تقديرات حذيفة الخطيب، أحد نشطاء إدلب، إلى أن ما يصل إلى 60 بالمائة من 185 ألف فدان (75 ألف هكتار) من القمح والشعير قد تم حرقها.

وقال إن بساتين الزيتون والفستق تم تجنبها إلى حد كبير.

وأظهرت صور فضائية قدمتها شركة "ماكسار تكنولوجيز" أضرارا كبيرة لحقول المحاصيل في إدلب وحماة، ووصفت بأنها "حملة للأرض المحروقة".

وقالت الأمم المتحدة إن الحرائق تهدد بتعطيل الدورات الطبيعية لإنتاج الغذاء ومن المحتمل أن تقلل من الأمن الغذائي لعدة أشهر قادمة.

وسواء كان ذلك أضرارا متعمدة أو جانبية، فإن حرق المحاصيل على هذا النطاق سيؤدي إلى إتلاف التربة وسيكون له آثار ضارة على صحة المدنيين في المحافظة، حيث ترتفع بالفعل نسبة الإصابة بالأمراض التنفسية في الجيب السوري المكتظ غربي البلاد.

وعانت سوريا من جفاف رهيب قبل الحرب أدى إلى مواجهة البلاد والمنطقة التي تتاجر معها لحالة من انعدام الأمن الغذائي.

وقالت بيلز إن حرق المحاصيل لا يزال محصورا في مناطق معينة ولا يمكن مقارنته بالدمار الذي حدث قبل الحرب.

أضافت "بيد أننا ما زلنا في بداية الصيف وإذا استمرت الحرائق فقد تؤدي إلى أزمة".

ترك تعليق

التعليق