البندورة الحورانية.. طفرة إنتاجية، وإشكاليات في التسويق


عادت زراعة البندورة بقوة إلى الحقول، وبدأت تشاهد على مساحات شاسعة في مختلف مناطق درعا؛ وذلك بعد تراجع وانحسار داما أكثر من ثماني سنوات؛ نتيجة ظروف الحرب التي عاشتها البلاد.

وقد شهدت أسواق محافظة درعا منذ بداية شهر حزيران الحالي، طرح كميات مقبولة من "بواكير" مادة البندورة الحورانية، من إنتاج مزارعي المحافظة بسعر وصل إلى نحو 150 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد.

مصادر مديرية زراعة درعا التابعة للنظام، أكدت أن مساحات الأراضي المزروعة بمادة البندورة هذا العام، وصلت إلى نحو 28500 دونم، إنتاجها المتوقع يزيد عن 270 ألف طن، وهو ما يشير إلى عودة هذه الزراعة إلى مرحلة ما قبل الثورة، وإلى الطفرة الإنتاجية الكبرى، التي كانت سائدة قبل نحو عشر سنوات.
 
المهندس الزراعي (صلاح الدين المحمود)، وهو مهندس ومزارع، عزا إقبال الفلاحين على زراعة البندورة بقوة هذا العام، إلى تحسن الوضع الأمني في المنطقة الجنوبية، وإلى عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم، بعد غياب استمر عدة سنوات.

وأشار إلى أن زراعة البندورة، كانت قد شهدت تراجعاً كبيراً منذ بداية الثورة السورية في العام 2011؛ بسبب الوضع الأمني السيئ، وهجرة المزارعين عن أراضيهم، إضافة إلى الصعوبات الكبيرة الأخرى، التي حلت بالقطاع الزراعي بشكل عام، والمتمثلة بارتفاع تكاليف الإنتاج، وغياب الأمن والأمان وعدم توفر المواد الأولية، ومواد المكافحة، والمشكلات التسويقية.
 
ولفت في حديث لـ "اقتصاد" إلى أن زراعة البندورة في حوران، تعد من الزراعات التقليدية، التي يقدم عليها الفلاح الحوراني ويعتمدها، بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة، موضحاً أن هذه الزراعة المتوارثة عبر السنين، تحظى باهتمام كبير من المزارعين؛ نظراً لإنتاجها العالي، ولقدرتها على تأمين فرص عمل جيدة لأفراد العائلات، والعمال الموسميين.

وأضاف أن هذه الزراعة تتركز بشكل كبير، في مناطق حوض اليرموك، في ريف درعا الغربي، وطفس، والشيخ مسكين، ونوى، وانخل، وجاسم في ريف درعا الأوسط والشمالي الغربي، حيث تتميز هذه المناطق بتوفر مياه الري الزراعي؛ بسبب انتشار السدود والآبار الارتوازية، إضافة إلى التربة الخصبة، والظروف المناخية المناسبة لمثل هذا النوع من الزراعات فضلاً عن الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها مزارعو هذه المناطق.

ويشير (أبو ممدوح)،  65 عاماً وهو مزارع تقليدي، إلى أنه توارث زراعة البندورة عن والده، الذي نقلها بدوره إلى أولاده، لافتاً إلى أن الفلاح الحوراني التقليدي، يعتبر زراعة البندورة من المحاصيل الأساسية، وتتقدم في بعض المناطق على جميع المحاصيل الأخرى بما فيها القمح.

وأكد أن هذه الزراعة تعد من الزراعات المربحة في معظم المواسم، وإلا لما وجدت هذا الإقبال الكبير عليها من قبل المزارعين، لكنه أردف أن هناك بعض الصعوبات، التي تواجه هذا النوع من المحاصيل: من أهمها ارتفاع أسعار المواد الأولية، ومواد المكافحة، وعدم توفر أسواق تصريف تستوعب هذا الكم الهائل من الإنتاج.

وأوضح أن من الصعوبات الأخرى التي تواجه زراعة البندورة الحورانية، هو انخفاض أسعارها مع بدء طرحها في الأسواق، حيث يصل سعر الكغ الواحد أحياناً، إلى ما دون الـ 100 ليرة سورية فيما نلاحظ أن سعر البندورة الساحلية، لا يهبط عن 250 ليرة سورية طوال موسم نضوجها.

وقال: "تأملنا أن نحقق أرباحاً جيدة هذا العام، بعد افتتاح معبر نصيب الحدودي أمام حركة التصدير، لكن العقوبات المفروضة على النظام ستقف حائلاً على ما يبدو أمام تحقيق أحلامنا هذه".

وعبّر عن أمله في أن تكون بعض معامل الكونسروة، المنتشرة في المحافظة، قد أصبحت في جهوزيتها الكاملة لاستيعاب جزء من إنتاج المحافظة من مادة البندورة.

من جهته أكد (أبو معتصم)، 42 عاماً، وهو جامعي ورئيس ورشة تعمل في "تحويش" أو قطاف ثمار البندورة، أن حقول البندورة، التي تنتشر على مساحات واسعة في مناطق المحافظة المختلفة، تؤمن مئات فرص العمل الموسمية للصبايا والشباب، وخاصة لطلاب المدارس والجامعات، الذين يجدون فيها فرصة لجمع المال اللازم لتأمين بعض الاحتياجات الضرورية.

وأضاف أن مثل هذه الورشات تنتشر بشكل كبير مع بدء نضوج مادة البندورة، ويشارك فيها الصغار والكبار؛ نظراً لسهولة العمل فيها، موضحاً أن أجرة العامل اليومية تتجاوز الـ 2500 ليرة سورية.

ويقول (محمد)، 20 عاماً، وهو طالب جامعي، "أعمل في ورشات العمل الزراعي، ومنها ورشات (تحويش) البندورة طوال الموسم"، مشيراً إلى أنه استطاع من نتاج عمله تأمين جميع احتياجات دراسته الجامعية والشخصية، الأمر الذي خفف عن كاهل أهله الكثير من النفقات.

يشار إلى أن محافظة درعا كانت تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات السورية في إنتاج البندورة المكشوفة، التي كانت تغطي بإنتاجها جزءاً كبيراً من احتياجات السوق السورية، وأسواق بعض الدول العربية.
 
وقد أدى تراكم الخبرة لدى مزارعي المحافظة، إلى تطوير الإنتاج وتحسينه كماً ونوعاً، حيث وصل إنتاج الدونم الواحد في بعض المواسم إلى أكثر من 12 طناً من البندورة الحورانية، التي تتميز بمذاقها اللذيذ واستعمالاتها المختلفة في الطعام، وصناعة المربيات ذات الجودة العالية.


ترك تعليق

التعليق