تخزين السكر في دمشق.. على وقع الدولار


للمرة الثانية منذ العام 2011 يتجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي في العاصمة دمشق حدود الـ 600 ليرة سورية، حيث بلغ هذا الحد لأول مرة في أيار 2016 مخلفاً ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية الرئيسية لا سيما مادة السكر التي وصل سعر الكيلو الواحد منها آنذاك لأكثر من 450 ليرة سورية، وأصبح الحصول عليها من السوق السوداء أسهل من الأسواق وصالات البيع الرسمية نتيجةً لفقدانها.

وتخوفاً من تكرار الأزمة نفسها أو التعرض لأزمة مضاعفة في المستقبل القريب، يقوم بعض القاطنين في العاصمة وريفها بمحاولة تموين مادة السكر، الأمر الذي فرض حالة من توتر الأسعار في الأسواق والمتاجر، علماً أنّ أكثر القاطنين لا يستطيعون تموين المادة بسبب ظروفهم الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

قبل العام 2011 بلغ إنتاج سوريا المحلي من مادة السكر 155 ألف طن، في حين بلغت المستوردات 579 ألف طن سكر خام و 194،5 ألف طن سكر أبيض، ويبلغ مستوى استهلاك الفرد سنوياً بين 37،3 و 45،1 كيلو، وفقاً للتقرير الاقتصادي العربي آنذاك، وبدأ تقلص حجم الإنتاج المحلي بعد إغلاق أكبر المعامل "تل سلحب" عام 2012 بذريعة تردي الأوضاع الأمنية، حيث كانت قدرته الإنتاجية اليومية حوالي 2500 طن.

وتعد مادة السكر من أبرز المواد الاستراتيجية المدرجة في أولويات قائمة المستوردات الرسمية البالغة 41 مادة، إذ أنّ دوائر نظام الأسد قامت باستيرادها خلال السنوات السابقة بكثافة من البرازيل ومصر وإيران، إلّا أنّ العقوبات الاقتصادية الأخيرة تحول دون نجاح عمليات الاستيراد باستثناء الحمولات التي قد ترد مستقبلاً من روسيا، لتبقى الخيارات محدودة أمام "المؤسسة الوطنية للسكر" المُشكلة في العام 1975 وفقاً للمرسوم الدستوري 1446 وتضم 6 شركات ومعامل "حمص، الغاب، تل سلحب، مسكنة، الرقة، دير الزور".

نظراً للمنعطفات الميدانية والاقتصادية والسياسية التي تعرضت لها البلاد فقد تأرجح سعر مادة السكر صعوداً وهبوطاً واستقراراً لمرات عديدة بدءاً من منتصف العام 2011 بسعر 25 ليرة للكيلو الواحد، ليرتفع في 2012 إلى 55 و 60 ليرة، وفي 2013 بين 125 و 150 ليرة، و 2014 بسعر 200 ليرة، ثم 2015 إلى 250 ليرة، وصولاً إلى 450 ليرة في 2016، ثم هبوطاً إلى 275 و 300 حتى النصف الأول من هذا العام بحسب ما أكدّته لـ "اقتصاد" مصادر شعبية عديدة تقطن العاصمة دمشق، رفضت الكشف عن أسمائها لدواعٍ أمنية.

وفيما يتعلق بالسكر التمويني أكّدت المصادر أنّ حصة الفرد السنوية تبلغ 12 كيلو غرام بسعر 50 ليرة للكيلو الواحد بعد أن كان 25 ليرة قبل عام 2014، ويأتي الارتفاع ضمن سياسة رفع الدعم عن المواد الأساسية بشكل تدريجي، إلّا أنّ "المؤسسة العامة الاستهلاكية" عاجزة عن تأمين السكر للأفراد وفق نظام "البونات"، منذ قرابة ثلاثة أعوام.

يُؤمّن نظام الأسد احتياجات السكر من خلال إنتاج المصانع المحلية التابعة للمؤسسة العامة للسكر وبعض المصانع الخاصة التي سُمح لها بالإنتاج كنوع من التدخل الإيجابي، والتي يعتمد إنتاجها على مادة الشوندر السكري المنتج محلياً أو المستورد، واستيراد السكر الخام، كما تم العمل في المراحل الأخيرة على توسيع مساحة زراعة الشوندر. ولا يتجاوز حالياً إنتاج السكر في القطاعين العام والخاص 130 ألف طن سنوياً، فيما يبلغ حجم المستوردات المطلوبة تلبيةً لاحتياجات السوق حوالي 400 ألف طن وفقاً لمصادر رسمية.

عن البدائل التي من المتوقع اللجوء إليها في حال انعدم الاستيراد وتقلص الإنتاج المحلي أكثر، قال أحد تجار سوق الهال لـ "اقتصاد": "نظراً لغياب الرؤية الواضحة للمستقبل القريب وتعقيدات وتسارع تطور أحداث كل الجغرافية السورية تبقى الخيارات معدومة، لذلك يقوم تجار المادة بتخزينها في المستودعات كحال بقية المواد الغذائية الرئيسية تجنباً لخسائر حتمية مرافقة لانخفاض قيمة الليرة السورية، وأحياناً يتم ذلك بتوجيه شركائهم المُطّلعين في الفروع الأمنية، ليكون كما المعتاد، المستهلك هو الخاسر الأكبر أمام حسابات دوائر نظام الأسد والتجار".

وسط المخاوف وندرة المادة ونبوءات ارتفاع سعرها، تعلو بعض الأصوات المطالبة بالاعتماد على نبتة "الستيفا" القابلة للزراعة في سوريا، وهي نبتة يمكن استخراج السكر منها بشكلٍ مدهش ومذهل، إذ لها قوةُ تَحليةٍ فائقة، تصل لأكثر من 300 ضعف تحلية السكر العادي المستخرج مِن القصب أو الشوندر، والمستخدم في الطعام. لكن تلك الأصوات ذاتها تخفت أمام القراءة المنطقية لواقع المؤسسات العامة المترهلة، وحجم الضغوطات الدولية، وانعكاسات تبدل الخريطة الميدانية.

ترك تعليق

التعليق