اقتصاديات.. موسم هجرة السوريين من أوروبا


الحديث عن عودة سوريين بشكل طوعي من أوروبا، مستغنين عن جنة اللجوء الأوروبية، لم يعد حديثاً عن حالات فردية ومتفرقة، وإنما هناك أعداد كبيرة بالفعل، بعضها يقول إنه دفع أموالاً طائلة من أجل العودة إلى تركيا، أو غيرها من الدول العربية، بما فيها بعض المناطق الآمنة في سوريا..

وفي البحث عن أسباب عودة هؤلاء، نجد أنها كثيرة، أبرزها اختلاف العادات والتقاليد والثقافات، وصعوبة التأقلم والإندماج، الذي دفع البعض لأن يتخذ قراراً نهائياً بالعودة إلى حيث يتوافق مع حياة أسرته، متنازلاً عن جميع المزايا المالية وغيرها، التي تقدمها الدول الأوروبية للاجئين.

لكن يبقى هذا الكلام عاماً، سيما وأنه لا يوجد إحصائيات دقيقة عن أعداد العائدين، وظروفهم وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية، لكن الكثيرين يؤكدون بأن هوية العائدين، هم من مختلف البيئات، بما فيها المنفتحة، ما يعني بأن قرار الهجرة من أوروبا لا علاقة له أحياناً بالموقف الديني أو الثقافي من المجتمع الأوروبي.

وزيادة في التخصيص، أريد أن اعترف أنني أحد هؤلاء الذين قرروا مغادرة الأراضي الأوروبية، وإن بشكل مؤقت، بعد نحو سبع سنوات أمضيتها هناك، لم أشعر خلالها سوى أنني بدأت أفقد شخصيتي، وعالمي الذي أمضيت أكثر من ثلاثة عقود في بنائه.

وقبل وبعد المغادرة، تلقيت عدداً كبيراً من الاتصالات من المقيمين في أوروبا، الذين يريدون التعرف على تجربتي، ويتمنون لو أنهم يستطيعون الاحتذاء بها، لكن أكثر المخاوف التي تساورهم، هي وجود فرصة العمل اللائق، في البلد الذي يريدون التوجه إليه..

 بمعنى آخر، أن أغلب الذين هاجروا إلى أوروبا، كان دافعهم الأبرز هو الخوف من المستقبل، بعد أن فقدوا كل شيء في بلدهم..
فلو أنهم وجدوا هذا الأمان المستقبلي في الدول الأولى التي هاجروا إليها، لما قصدوا الدول الأوروبية من الأساس.

وطبعاً هذا لا يلغي أو يقلل من أهمية المزايا الأخرى في أوروبا، كالتعليم والصحة ورعاية الأطفال، والتي تجبر اليوم الكثير من اللاجئين السوريين على الاستمرار في الإقامة بأوروبا، متحملين كل الظروف الصعبة التي يواجهونها هناك، بحجة تأمين مستقبل أولادهم على الأقل، بعد أن ضاع مستقبلهم.

أعتقد كخلاصة للكلام السابق، أن الكثير من السوريين، ومن جيل الآباء على وجه الخصوص، سوف يعودون إلى سوريا، إذا ما استقرت الأوضاع الأمنية فيها، وحدث تغيير مهم على الصعيد السياسي.. وتبقى المشكلة في جيل الأبناء الذين نشأوا وترعرعوا في أوروبا، فهؤلاء أشك تماماً في أن يعودوا، وحتى لو عادوا، فإنهم لن يستطيعوا البقاء في سوريا إلا لبضعة أشهر أو حتى لبضعة أيام..

ويعرف معنى كلامي هذا، من لديه أسرة وأطفال في أوروبا.. والله أعلم.

ترك تعليق

التعليق