العمل في "الأسود".. خيار اضطراري للكثير من اللاجئين السوريين في فرنسا


يواجه اللاجئ السوري في فرنسا صعوبات عدة لدخول سوق العمل من أبرزها عامل اللغة، يضاف إلى ذلك انخفاض الرواتب وارتفاع الضرائب.

ويتقاضى اللاجئ السوري، بعد حصوله على قرار اللجوء، مبلغاً وقيمته 550 يورو، يذهب منها 100 يورو كأجرة سكن تقريباً، وما تبقى لا يكفي اللاجئ للعيش سوى أسبوعين، إذ أن الدولة تساهم فقط بنسبة 75% من قيمة الإيجار، وفق ما تحدث به أحد اللاجئين السوريين في فرنسا، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد".

ونظراً لتلك الظروف المعيشية التي يمر بها اللاجئ السوري في فرنسا خاصة، وأوروبا عامةً، فإنه يلجأ للعمل في "الأسود"، وهو مصطلح يطلق على سوق العمل بشكل غير نظامي. إلا أن هذا السوق محفوف بالمعاناة من ناحية الرواتب وساعات العمل، يضاف إلى ذلك تعرض اللاجئ للمساءلة في حال تم اكتشاف أمره من قبل السلطات الفرنسية.

وتحدث عدد من اللاجئين السوريين في فرنسا لـ "اقتصاد" عن الظروف المعيشية والمعوقات الأخرى التي يواجهونها، لافتين في الوقت ذاته إلى أن ما تقدمه الحكومة الفرنسية يختلف من شخص لآخر ومن عائلة لأخرى.

"عمر البنية"، صحفي سوري، لجأ إلى فرنسا قبل عامين، يقول: "ما تقدمه الحكومة للشخص الواحد هو 480 يورو، وهي مساعدة اجتماعية، في حين أن التأمين الصحي كامل ومجاني، يضاف إلى ذلك بطاقة الموصلات المحلية مجانية، وهذا ما يسمى (الحد الأدنى) للحياة وهو مقبول خارج باريس".

وتابع: "ذات الأمور تقدم للعائلات إضافة إلى التعليم المجاني لكافة أفراد الأسرة".

وتحدث "البنية" عن المصروف الشهري للاجئ السوري في فرنسا وقال: "هذا يعود إلى كل شخص وطريقة تكيفه مع مصروفه، إذ يعتبر مبلغ 480 يورو متوسطاً للعيش وتأمين الاحتياجات الأساسية فقط، في حين يذهب معظم هذا المبلغ لشراء الأمور الغذائية الأساسية وبعض الاحتياجات البسيطة، أمّا بالنسبة للعائلة فإن ما تتلقاه يعتبر أكثر بقليل من اللاجئ الذي يعيش لوحده".

وفيما يتعلق بأمور السكن وصعوبة تأمينه ودور الحكومة الفرنسية في ذلك، أوضح "البنية" قائلًا: "مشكلة صعوبة العيش والأسعار المرتفعة وترافقها مشكلة السكن، تتركز بشكل كبير في مدينة باريس، أمّا الوضع خارج باريس فيكون أفضل بكثير".

وتابع: "وفي حال قررت الحصول على (استديو) صغير للسكن فإن أجرته الشهرية لا تقل عن 900 يورو ضمن باريس، ومن الممكن أن تكون الأجرة مرتفعة أكثر مع شرط وجود عمل أو كفيل".

وأشار، إلى أن فترة انتظار السكن الاجتماعي في باريس تصل إلى عشر سنوات، لذلك فإن السكن الاجتماعي هو سكن رخيص تأمنه الدولة.

أمّا خارج باريس، فيوجد العديد من المدن التي من الممكن الحصول فيها على السكن الاجتماعي خلال ستة أشهر انتظار، ومن الممكن أن تكون المدة أقل بكثير في الريف، وأيضاً من الممكن الاستئجار بأسعار مقبولة.

أمّا بالنسبة لسوق العمل، فتشكل اللغة أكبر مشكلة كونه لا يوجد برنامج حكومي لأجل تعليم اللغة والاندماج والتدريب، يقول "البنية"، مضيفاً : "المشكلة تكمن بعدم وجود برنامج واضح لتعليم اللغة، وهذا يعتمد على الجهد الشخصي لكل شخص".

"علي أبو المجد" صحفي لجأ إلى باريس قبل عدة سنوات قال لـ "اقتصاد": "اللاجئ السوري والبالغ عمره فوق 25 عاماً وفي حال كان غير متزوج، فإنه يحصل شهرياً على مساعدة من الدولة الفرنسية قيمتها 540 يورو، ومن ضمنها يجب عليه أن يدفع أجرة السكن".

وأضاف، أنه ليس بالضرورة على الشخص أن يجد سكناً مدعوماً من قبل الدولة، بل من الممكن أن يجد سكن أجرته الشهرية 400 يورو، ومن الممكن أن تعوضه الدولة فقط بما قيمته 200 يورو.

في حين، أن السكن الاجتماعي هو سكن مدعوم من قبل الدولة الفرنسية، وبالتالي فإن اللاجئ السوري لا يتكلف إلا بأشياء رمزية.

ولفت الانتباه، إلى أن اللاجئ السوري يحصل على مبلغ 540 يورو، في حال كان مسجل لدى الدولة بوصفه "باحث عن عمل"، أما إذا كان لديه عمل فلا يحصل على هذا المبلغ.

وأشار، إلى أن اللاجئ السوري لا يمكن له توفير أي مبلغ من مصروفه حتى نهاية الشهر، مرجعاً السبب إلى غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في فرنسا، في حين أنه من الممكن للعائلة أن توفر بعض النقود حتى نهاية الشهر، إلا أن ذلك يختلف من عائلة لأخرى.

أمّا الإعلامي "ماجد الخطيب" والذي لجأ مع عائلته إلى فرنسا منذ أكثر من عام ونصف، فيقول لـ "اقتصاد": "اللاجئ مع عائلته المكونة من زوجة وطفل يحصل على ما يقارب 850 يورو، وفي حال لم يكن هناك مساعدة من الدولة في إيجار المنزل، فإن هذا الراتب لا يكفيه مدة أسبوعين".

وأضاف، أن المساعدات المقدمة للاجئ السوري في فرنسا قليلة جداً، وربما هناك تعمد في ذلك الأمر من أجل تحفيز اللاجئ على العمل.

وتدفع تلك الظروف بعض اللاجئين السوريين للعمل بطريقة غير شرعية أو ما تعرف بمصطلح "الأسود"، وفي هذا الصدد يقول "أبو المجد": "من يعمل في (الأـسود) هو الشخص الذي لا يصرح للدولة عن عمله ويبقى مسجلاً لديها أنه باحث عن عمل من أجل أن تستمر في منحه الراتب الشهري، وفي حال تم اكتشاف أمره فإن الدولة تقوم بمساءلته ومحاسبته كونه يعمل بشكل غير قانوني".

وأضاف، أنه يجب على اللاجئ أن يصرح كل 3 أشهر للدولة عن مقدار دخله الشهري وبذلك يكون لدى الدولة علم بهذا الأمر، إلا في حال قام اللاجئ بالالتفاف وأعطى تصريحات مغلوطة بأنه ليس لديه دخل، لأن اللاجئ وعند حصوله على عمل فإن راتبه يتوقف أو يتم تقليصه بحسب الراتب الذي يحصل عليه في عمله.

أمّا الصحفي "البنية" فأشار إلى وجود بعض حالات العمل في السوق السوداء، لكن العمل بهذه الطريقة يعتبر خطر لأنه يعرض صاحبه لعقوبات مالية كبيرة وقد تصل الأمور للمحاكمات، على حد تعبيره.

وتعليقاً على التباين في الأرقام بخصوص ما يحصل عليه اللاجئ السوري في فرنسا من رواتب مساعدة، قال الخبير الاقتصادي "يونس الكريم" والمتواجد مع عائلته في فرنسا: "ما يجري هو أن الوضع يختلف بين محافظة وأخرى، وبالإجمال فإن الرواتب للشاب العازب تصل إلى 550 يورو، في حين أن الدولة تدفع عنه 270 يورو من أجرة المنزل، والباقي هو يتحمله حسب ايجار المنزل والمنطقة وقربها من الطريق العام".

وتابع: "أيضاً هناك أجرة المواصلات، والتكاليف تختلف من مكان لآخر. وبشكل عام، فإن باريس هي الأغلى".

ولفت الانتباه، أن من لا يعمل يحصل على مساعدات من "الكاف" أي مساعدات الإعالة والمعيشة، والتي تقدم للأشخاص العاطلين عن العمل.

أمّا من يدخل سوق العمل، بحسب "الكريم"،  فهناك نمطين أساسيين الأول: 24 ساعة في الأسبوع ويحصل العامل على 680 يورو، و35 ساعة في الأسبوع وفق قانون " smig " الفرنسي أو الحد الأدنى للرواتب بفرنسا، فإنه يحصل على 1200 يورو، وبالتالي فإن كثيرين يرفضون العمل، ومن يعمل أيضاً وفق نظام " smig" فإنه يفقد كل المساعدات ويدفع ضرائب عالية، ما يدفعهم للعمل بـ"الأسود" للتخفيف من غلاء المعيشة.

وقال "الكريم": "أصبح هناك نمط جديد من الهجرات، وهو الهجرة ما بين الولايات، إذ يحاول اللاجئون الاتجاه صوب المدن الحدودية الرخيصة، من ذلك الحدود الألمانية كونها تتميز بأن الأسعار فيها أرخص من المدن الفرنسية الأخرى".

وختم بالقول: "الحياة تكاليفها مرتفعة والمتطلبات كثيرة ومساعدات (الكاف) لا تكفي والضرائب مرتفعة، يضاف إلى ذلك تعرض بعض اللاجئين للنصب والاحتيال وأكل حقوقهم من قبل أرباب عملهم والأمثلة كثيرة على ذلك".

الجدير ذكره، أنه ووفقاً لآخر إحصائية للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية "الأوفبرا" الصادرة بتاريخ الخامس من مارس/آذار 2018، ونقلتها مصاد إعلامية، بلغ عدد اللاجئين السوريين في فرنسا 16500 لاجئاً.

وتعتبر فرنسا من أقل البلدان الأوروبية التي استقبلت اللاجئين السوريين، إذ لا يحبذ أغلب السوريين فرنسا نتيجة قلة المساعدات المقدمة للاجئين وصعوبة معاملات اللجوء فيها، حسب المصدر ذاته.

ترك تعليق

التعليق